حيث ثبت عن أبي سريحة الغفاري t أنه قال: ((رأيت أبا بكر وعمر وما يُضحيان)) رواه عبد الرزاق (4/ 381) والبيهقي (9/ 265).
وقال البيهقي ـ رحمه الله ـ بعد أن خرجه:
وفي حديث بعضهم: ((كراهية أن يُقتدى بهما)).اهـ
وثبت عن أبي مسعود الأنصاري t أنه قال: ((لقد هممت أن أدع الأضحية، وإني لمن أيسركم بها، مخافة أن يُحْسَبَ أنها حتمٌ واجب)).
وفي لفظ آخر: ((مخافة أن يرى جيراني أنه حتم)) رواه عبد الرزاق (4/ 983) والبيهقي (9/ 265).
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـفي كتابه "المحلى" (6/ 10 مسألة رقم:973):
لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة. اهـ
وقال ابن بطال ـ رحمه الله ـ عن فوائد هذا الترك للأضحية من هؤلاء الصحابة:
وهكذا ينبغي للعالم الذي يُقتدى به إذا خشي من العامة أن يلتزموا السنن التزام الفرائض أن يترك فعلها ليُتأسى به فيها، ولئلا يُخلط على الناس أمر دينهم فلا يفرقوا بين فرضه ونفله. اهـ
الفرع الرابع: وهو عن الأضحية للمسافر.
الأضحية مشروعة للمسافر، وبذلك قال أكثر أهل العلم، وذلك لحديث ثوبان t قال: ((ذبح رسول الله r ضحيته، ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة)) رواه مسلم (1795)
الفرع الخامس: وهو عن البخل بالأضحية مع وجود اليسار والسعة في الرزق.
البخيل عن نفسه بما يقربه من ربه مع اليسار قد قال الله تعالى في شأنه: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء}.
ومن ضحى وهو يخشى الفقر والحاجة، فليبشر بموعود الله تعالى له بالخلف الحسن، حيث قال سبحانه في سورة سبأ:
{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}.
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الاستذكار" (15/ 163 - 164):
ولم يأت عنه r أنه ترك الأضحية، وندب إليها، فلا ينبغي لموسر تركها اهـ
وثبت عن أبي هريرة tأنه قال: ((من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) رواه
الدار قطني (4/ 27) والحاكم (4/ 232) والبيهقي (9/ 260) وابن عبد البر في والتمهيد (23/ 191).
الفرع السادس: وهو عن الأجناس التي يضحى بها من الحيوانات.
الأنواع التي يُضحى بها من الحيوانات باتفاق أهل العلم هي هذه الأصناف الأربعة:
الإبل والبقر والضأن والمعز ذكوراً وإناثاً.
ومن ضحى بغير هذه الأصناف الأربعة لم تجزئه عند عامة أهل العلم، بل ذكر النووي ـ رحمه الله ـ أن من أهل العلم من نقل اتفاق أهل العلم على عدم الإجزاء.
الفرع السابع: وهو عن الأفضل من هذه الأصناف الأربعة.
أفضل ما يضحى به من هذه الأصناف الأربعة:
الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع بدنة ثم سبع بقرة،
وبهذا قال أكثر أهل العلم من السلف الصالح فمن بعدهم.
وذلك لما يأتي:
أولاً: قول النبي r: (( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن)) رواه البخاري (881) ومسلم (850) من حديث أبي هريرة.
والمراد بالبدنة: الناقة من الإبل.
ووجه الاستدلال من الحديث:
أنه دل على أن أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى من بهيمة الأنعام الإبل ثم البقر ثم الغنم.
ثانياً: قول النبي r لما سئل: أي الرقاب أفضل؟: ((أعلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) رواه البخاري (2581) واللفظ له، ومسلم (84) من حديث أبي ذر.
والإبل أغلى وأنفس من البقر، والبقر أغلى وأنفس من الغنم، بل وأكثر لحماً، ونفعاً للفقراء.
ثالثاً: قياساً على الهدي في الحج.
حيث قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد" (2/ 320):
العلماء متفقون على أن الأفضل في الهدايا الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز. اهـ
والهدي من أعظم شعائر الحجاج في أيام النحر، والأضحية من أعظم شعائر غير الحجاج في الأمصار، والجميع نسك، وأيام ذبحهما واحدة.
الفرع الثامن: وهو عن الاشتراك بين المضحين في الإبل والبقر.
يجوز أن يشترك في البعير أو البقرة سبعة من المضحين، كل واحد عن نفسه، عند أكثر أهل العلم.
وذلك قياساً على الهدي في الحج، لأن الجميع نسك، ووقت ذبحهما واحد.
وقد قال جابر بن عبد الله: t(( حججنا مع رسول الله r فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة)) رواه ومسلم (1318).
فقام سبع البعير وسبع البقرة مقام الواحدة من الغنم، والواحدة من الغنم لا تجزئ إلا عن واحد.
¥