ومنه قوله سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ).
مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه لا يجمع المسافر إذا كان نازلا، وإنما يجمع إذا كان سائرا، بل عند مالك إذا جدّ به السير، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أنه يجمع المسافر وإن كان نازلا [42].
قال الإمام العراقي: زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الإِقَامَةِ الَّتِي لا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ [43].
فالمسافر النازل في البلد لا تجب عليه الجماعة، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين. قال: تلك سُنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم [44].
ورواه مسلم [45] عنه قال: سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
ومما استدلوا به قوله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً [46].
قال ابن حجر: ففضل الجماعة حاصل للمعذور – ثم ذَكَرَ الحديث – [47].
ولا تجب الجمعة على المسافر.
قال ابن قدامة: وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه، قاله مالك في أهل المدينة، والثوري في أهل العراق، والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي [48].
وقال أيضا: وإن أحبّ أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما جاز نازلاً كان أو سائرا أو مقيما في بلدٍ إقامة لا تمنع القصر، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر [49].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار، وهي ثلاثة في حال العذر؛ ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء فإنما صلى الصلاة في وقتها، لم يُصلِّ واحدة بعد وقتها، ولهذا لم يَجِب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع، ولا ينوي القصر وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز [50].
وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر للمسافر، وعلى جواز تأخير الظهر إلى العصر.
وعلى أن السنة تقديم الصلاتين في وقت الأولى لمن أدركه وقت الأولى؛ لأنه أبرأ للذمة.
وعلى أن للمسافر اختيار الأرفق به، فإذا سار قبل الزوال فله أن يؤخّر صلاة الظهر إلى وقت صلاة العصر، فيُصليهما في وقت العصر عند نزوله، وهذا من يُسر الشريعة.
وعلى أن عموم التقديم والتأخير يجري في العِشائين أيضا، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء [51].
وتقدّمت الإشارة إلى رواية مسلم لحديث أنس، وفيها: إذا عَجِل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق.
المسألة السابعة:
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا بِنيّة، فإذا أراد المسافر تأخير صلاة الظهر ليجمعها إلى العصر فلا بُدّ من أن ينوي تأخير الظهر، ومثله تأخير المغرب.
قال ابن قدامة: فموضع النية في وقت الأولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها؛ لأنه متى أخّرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعاً [52].
المسألة الثامنة:
الجمع في وقت الأولى يجعل الوقت بعدهما للثانية، فمن جمع الظهر والعصر في وقت الظهر، فإن ما بعد صلاة العصر يكون وقت نهي، ومن جمع المغرب والعشاء في وقت المغرب فله أن يُصلي الوتر
قال ابن قدامة: وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما، ويوتر قبل دخول وقت الثانية؛ لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها، والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، وقد صلى العشاء فدخل وقته [53].
¥