تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الترمذي: ورخّص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم يَرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين [64].

" والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: المريض يجمع بين الصلاتين؟ فقال: إني لأرجو له ذلك إذا ضعف، وكان لا يقدر إلا على ذلك. وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما " [65].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيُباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى، ويجمع من لا يُمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بِحَرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور [66]

وقال: الذي يجمع للسفر هل يباح له الجمع مطلقا أو لا يباح إلا إذا كان مسافرا؟

فيه روايتان عن أحمد مقيما أو مسافرا، ولهذا نص أحمد على أنه يجمع إذا كان له شغل. قال القاضى أبو يعلى: كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع، ولهذا يجمع للمطر والوحل وللريح الشديدة الباردة في ظاهر مذهب الإمام أحمد، ويجمع المريض والمستحاضة والمرضع [67].

والمطر والبرد الشديد والريح الشديدة والوَحَل كلها أعذار مُبيحة للجمع.

فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين، هل يجوز من البرد الشديد؟ أو الريح الشديدة؟ أم لا يجوز إلا من المطر خاصة؟

فأجاب: الحمد لله رب العالمين. يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد، وهذا أصح قولي العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما، والله أعلم [68].

وقال ابن الملقِّن: اختلف العلماء في جواز الجمع بعذر المطر، فجوّزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يجوز الجمع فيها، وخصّه مالك بالمغرب والعشاء فقط [69].

ومن العلماء من قيّد المطر بالشديد الذي يبلّ الثياب وتقع المشقة بسببه.

قال ابن قدامة: والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ الثياب فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد.

فأما الوَحْل بمجرّده، فقال القاضي: قال أصحابنا: هو عذر؛ لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر، وهو قول مالك.

وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح، وهو مذهب الشافعي وأبو ثور؛ لأن مشقته دون مشقة المطر، فإن المطر يبل النعال والثياب، والوحل لا يبلها، فلم يصح قياسه عليه، والأول أصحّ لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزّلق، فيتأذى نفسه وثيابه، وذلك أعظم من البلل، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فَدَلّ على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم.

فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان: أحدهما يبيح الجمع. قال الآمدي: وهو أصح، وهو قول عمر بن عبد العزيز؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة [70].

خامساً: هل يجمع بين الظهر والعصر لأجل هذه الأعذار؟

ذهب بعض أهل العلم إلى منع الجمع بين الظهر والعصر في المطر

قال ابن قدامة: فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز [71].

وهذا خلاف المقصد من الجمع، فإنه متى ما وُجِدت المشقة جاز الجمع، كما تقدّم.

قال الإمام الشافعي: أرأيتم إن قال لكم قائل: بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر، ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر. هل الحجة عليه؟ إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يَجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض، فكذلك هي على من قال: يجمع بين المغرب والعشاء، ولا يجمع بين الظهر والعصر، وقلما نجد لكم قولا يصح، والله المستعان. أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء، هل تَعدون أن يكون لكم بهذا حجة؟ فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر والعصر، وإن لم تكن لكم بهذا حجة على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير