قلنا: ومن نعمة الله على المعتصم أن وفقه للتوبة من هذه الزلة والندم عليها , وأن سامحه الإمام أحمد على ما حصل منه لقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكونه ليس من أهل البدعة في رأي أحمد.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (14\ 404):- وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك، ولما شفاه الله بالعافية بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة. اهـ.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1\ 100):- قال في رواية حنبل وهو يداويه اللهم لا تؤاخذهم فلما برئ ذكره حنبل له فقال نعم أحببت أن ألقى الله تعالى وليس بيني وبين قرابة النبي صلى الله عليه وسلم شيء وقد جعلته في حل إلا ابن أبي دؤاد ومن كان مثله فإني لا أجعلهم في حل. اهـ.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/ 261) نقلا عن أحمد:-
كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا، وقد جعلت أبا إسحاق - يعني: المعتصم - في حل. اهـ.
قال أبو بكر المروذي في كتابه الورع ص 85 تحقيق سمير الزهيري - دار الصميعي:
وقال لي أبو عبد الله قد سألني إسحاق بن إبراهيم أن أجعل أبا إسحاق في حل
قال قلت له قد كنت جعلته في حل. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 489):
ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر. اهـ.
قلنا: وبعد هذه الحادثة عاد الإمام أحمد إلى التحديث والفتوى من غير أن يعترض عليه أحد أو يضيق عليه , واستمر على ذلك حتى مات المعتصم.
قال الذهبي في السير (11/ 263):-
قال حنبل: لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي، حتى مات المعتصم، وولي ابنه الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دواد وأصحابه.اهـ.
قلنا: ولم يمتحن المعتصم بعد الإمام أحمد أحدا , ولم يأمر بالامتحان , فتوقف أمر الامتحان حتى مات المعتصم وولي الواثق.
قال ابن الجوزي في المنتظم (3/ 341):-
كان الواثق قد أعاد الامتحان في القرآن.اهـ.
قلنا: ولم يمتحن المعتصم كل من قال أن القرآن ليس بمخلوق بل كان بعض أئمة السنة يعقدون المجالس من غير أن يمنعهم أحد كما كان يفعل عاصم بن علي بن عاصم الذي قال عنه الذهبي في السير (كان عاصم رحمه الله ممن ذب عن الدين في المحنة) فقد قال الخطيب في تاريخ بغداد (12\ 248):- قال عمر بن حفص وجه المعتصم بمن يحرز مجلس عاصم بن علي بن عاصم في رحبة النخل التي في جامع الرصافة قال وكان عاصم بن علي يجلس على سطح المسقطات وينتشر الناس في الرحبة وما يليها فيعظم الجمع جدا حتى سمعته يوما يقول حدثنا الليث بن سعد ويستعاد فأعاد أربع عشرة مرة والناس لا يسمعون قال وكان هارون المستملى يركب نخلة معوجة ويستملى عليها فبلغ المعتصم كثرة الجمع فأمر بحزرهم فوجه بقطاعي الغنم فخرزوا المجلس عشرين ومائة ألف.
قلنا: وقد روي ما يدل على رجوع المعتصم عن القول بخلق القرآن , فقد روى ابن أبي يعلى بإسناده في طبقات الحنابلة (1/ 148) قصة المناظرة عند المعتصم التي جاء في آخرها:-
قال سليمان السجزي فوثب عند ذلك المعتصم فقال صدقت يا ابن حنبل.
وتاب المعتصم وأمر بضرب رقبة بشر المريسي وابن أبي دؤاد وأكرم أحمد بن حنبل وخلع عليه فامتنع من ذلك فأمر به فحمل إلى بيته. اهـ.
قلنا: وقد كان جدنا رحمه الله ملاذا للإسلام وأهله بعد الله عزوجل , فما هي بخافية على أحد قصة الهاشمية التي أسرها الروم فصاحت وامعتصماه فلما بلغته قال لبيك لبيك ونهض من فوره وصاح قائلا النفير النفير وتجهز جهازا لم يتجهزه قبله أحد وأشهد على وصيته فغزا بلاد الروم فنكل بهم وسأل عن أي مدنها أمنع فقالوا عمورية فتوجه إليها.
قال الخطيب في تاريخ بغداد (2\ 344):-
غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين فانكى في العدو نكاية عظيمة ونصب على عمورية المجانيق واقام عليها حتى فتحها ودخلها فقتل فيها ثلاثين الفا وسبى مثلهم وكان في سبيه ستون بطريقا وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فاحرقها وجاء ببابها إلى العراق وهو باق حتى الآن منصوب على أحد الأبواب دار الخلافة. انتهى.
قلنا: ومن محاسنه الكثيرة قضاؤه على فتنة الكافر الخبيث بابك الخرمي الذي قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف كما ذكر الذهبي.
قال الغزالي في فضائح الباطنية (14):- وأما البابكية فإسم لطائفة منهم بايعوا رجلا يقال له بابك الخرمي وكان خروجه في بعض الجبال بناحية أذربيجان في أيام المعتصم بالله واستفحل أمرهم واشتدت شوكتهم وقاتهلم افشين صاحب حبس المعتصم مداهنا له في قتالهم ومتخاذلا عن الجد في قمعهم إضمارا لموافقتهم في ضلالهم فاشتدت وطأة البابكية على جيوش المسلمين حتى مزقوا جند المسلمين وبددوهم منهزمين الى أن هبت ريح النصر واستولى عليهم المعتصم المترشح للإمامة في ذلك العصر فصلب بابك وصلب أفشين بإزائه.
قلنا: ومن محاسنه أيضا قتله لعدد من الباطنية المجوس وقد كان بعضهم من قواده , وقتله أيضا لرئيس الزنادقة , وقتله لقائد الرافضة.
قال الخطيب في تاريخ بغداد (2\ 343):- قال ابن عرفة: قتل المعتصم ثمانية أعداء بابك , ومازيار , وباطس , ورئيس الزنادقة , والافشين , وعجيفا , وقارن , وقائد الرافضة.
¥