ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[12 - 12 - 09, 01:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مناظرة واصل الدمشقي للنصارى
أُسِرَ غُلامٌ من بني بطارقة الرُّوم ـ وكان غلاماً جميلاً ـ فلمّا صاروا إلى دار السّلام وقَعَ إلى الخليفة، وذلك في ولاية بني أمية، فسمّاهُ بشيراً، وأَمَرَ به إلى الكتّاب؛ فَكَتَبَ وقرأَ القرآن ورَوَى الشعر وقاسَ وطَلَبَ الأحاديث وحجَّ. فلمّا بَلَغَ واجْتَمَعَ أتاهُ الشيطانُ فوسوس إليه وذَكّره النصرانية دينَ آبائه؛ فهربَ مرتدًّا من دارِ الإسلامِ إلى أرض الروم؛ للذي سَبَقَ لهُ في أم الكتاب. فَأُتِيَ به مَلِكَ الطاغية فسأَلَهُ عن حالِهِ، وما كانَ فيه، وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية؟ فأخبره برغبته فيه. فَعَظُمَ في عين الملك، فرأّسَهُ وصَيّرَهُ بِطْرِيقاً من بطارِقَتِهِ وأقْطَعَهُ قُرىً كثيرة؛ فهي اليوم تُعْرَفُ به، يُقالُ لها: قرى بشير.
وكان من قضاء الله وقدره أنّه أُسِرَ ثلاثون رجلاً من المسلمين؛ فلمّا دخلوا على بشير، سائَلَهُم رجلاً رجلاً عن دينهم، وكان فيهم شيخٌ من أهل دمشق يُقالُ لهُ: واصل؛ فَسَاءَلَهُ بشيرٌ؛ فأبى الشيخ أن يَرُدَ عليه شيئاً.
فقال بشير: ما لَكَ لا تُجِيبُني؟.
قال الشيخ: لستُ أُجيبُكَ اليومَ بشيءٍ!.
قال بشيرٌ للشيخ: إني سائِلُكَ غداً فأَعِدَّ جواباً، وأمره بالانصراف.
فلمَا كان من الغَدِ بَعَثَ بشيرٌ؛ فأُدْخِلَ الشيخُ إليهِ.
فقال بشير: الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيءٌ، وخلق سبع سماواتٍ طباقاً بلا عون كان معه من خلقه؛ فعجباً لكم معاشِرَ العرب حين تقولون: {إنَّ مثلَ عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.
فسَكَتَ الشيخُ.
فقال له بشير: ما لك لا تُجيبُني؟.
فقال (الشيخ): كيف أُجيبُكَ وأنا أسيرٌ في يَدِكَ؛ فإن أجَبْتُكَ بما تَهوى أسْخَطْتُ عليَّ ربِّي، وهَلَكْتُ في ديني، وإن أجبْتُكَ بما لا تهوى خِفْتُ على نفسي؟.
فأعْطني عهد الله وميثاقه وما أخذ النبيّون على الأمم أَنكَ لا تَغْدِر بي ولا تمْحل بي (المحل هو المكر) ولا تَبْغِ بي باغيةَ سُوءٍ، وأنّكَ إذا سَمِعْتَ الحقَّ تنقادُ له.
فقال بشير: فلَكَ عليّ عهدُ الله وميثاقُهُ وما أخذ الله عزّ وجلّ على النبيين وما أخذ النبيّون على الأمم: أني لا أغْدِرُ بكَ ولا أمحل بكَ ولا أبغِي بك باغيةَ سوءٍ وأنِّي إذا سَمِعْتُ الحقَ انْقَدْتُ إليه.
قال الشيخ: أمّا ما وصَفْتَ من صِفَةِ الله عزّ وجلّ؛ فقد أحسنتَ الصِّفة. وأمّا ما لم يبلُغ عِلْمُكَ ولم يسْتَحْكِمْ عليه رأيُكَ أكثر، واللهُ أعْظَمُ وأكبرُ ممّا وصفتَ؛ فلا يَصِفُ الواصِفونَ صِفَتَهُ.
وأمّا ما ذَكَرْتَ من هاذين الرّجُلَيْنِ؛ فقد اسأتَ الصِّفَةَ!.
أَلَمْ يكونا يأكُلان الطعامَ ويشربان ويبولانِ ويتغوطانِ وينامان ويستيقظانِ ويفرحان ويحزنان؟.
قال بشير: بلى.
قال (الشيخ): فَلِمَ فَرّقْتُمْ بينهما؟.
قال بشير: لأنّ عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ كان له روحانَ اثنتان في جسدٍ واحدٍ: روحٌ يعلمُ بها الغيوبَ وما في قَعْرِ البحارِ وما ينحاث (يعني: يسقط) من ورق الأشجار. وروحٌ يُبْرِئُ بها الأكمه والأبرص ويُحْيِي بها الموتى.
قال الشيخ: روحان اثنتان في جسدٍ واحدٍ؟!!.
قال بشير: نعم.
قال الشيخ: فهل كانت القويّةُ تَعْرِفُ مَوْضِعَ الضعيفةَ بينَهُما أم لا؟.
قال بشير: قاتَلَكَ الله! ماذا تُريدُ أن تقولَ إنْ قُلْتُ إنَّها لا تَعْلَمُ؟ وماذا تُريدُ إن قُلْتُ إنَّها تعلمُ؟.
قال الشيخ: إن قُلْتَ إنّها تعلمُ،
قُلْتُ: فما يُغْنِي عنها قُوَّتُها حين لا تَطْرُدُ هذه الآفاتِ عنها!؟
وإن قُلْتَ إنّها لا تعلم، قُلْتُ: فكيفَ تَعْلَمُ الغيوبَ ولا تَعْلَمُ مَوْضِعَ روحٍ معها في جسدٍ واحدٍ؟!.
فسكتَ بشيرٌ!.
قال الشيخ: أسْأَلُكَ بالله! هَلْ عَبَدْتُم الصليبَ مثلاً لعيسى بن مريم أنّهُ صُلِبَ؟.
قال بشير: نعم.
قال الشيخ: فبرضىً كانَ مِنْهُ أمْ بِسَخَطٍ؟.
قال بشير: هذه أختُ تِلْكَ! ماذا تريدُ أن تقول؟
¥