1 - أما حديث: " غسل يوم الجمعة واجب علي كل محتلم، و السواك، و أن يمس من الطيب ما يقدر عليه ".
2 - و كذا حديث: " حق علي كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً … "
فأجاب الجمهور عنها بأن قوله " حق " و قوله " واجب " المراد به متأكد في حقه، كما يقول الرجل لصاحبه: حقك عليَّ و ليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب، بل المراد أن متأكد حقيق بأن لا يخل به (1).
و أجاب القائلون بالوجوب علي هذا التأويل بأن هذا الحديث ضعيف، قال ابن دقيق العيد:
إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحاً في الدلالة علي هذا الظاهر (2).
أجاب الجمهور أيضاً على الحديث الأول بأن اقتران الأمر بالسواك و الطيب بالأمر بالغسل قرينة صارفة عن الوجوب، قال القرطبي: ظاهره وجوب الاستنان و الطيب لذكرهما بالعاطف، فالتقدير: الغسل واجب و الاستنان و الطيب كذلك. قال: و ليسا بواجبين اتفاقاً، فدل على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد. أ ه (3).
و أجيب علي هذا الاعتراض من وجهين:
الأول: أنه لا يمنع عطف ما ليس بواجب علي الواجب، لا سيما و لم يقع التصريح بحكم المعطوف، قاله ابن الجوزي.
و قال ابن المنير في الحاشية: إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه، لأن للقائل أن يقول: أخرج بدليل، فبقي ما عداه علي الأصل (4) …
الثاني: أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة، فقد روى سفيان في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة (5). و كذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر.
3 - و أما الحديث: " إذا جاء أحدكم إلي الجمعة فليغتسل "
فإنه محمول علي الندب، و القرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة، و الجمع بين الأدلة ما أمكن هذا الواجب و قد أمكن بهذا، فيصار إليه.
و أما أدلة الجمهور القائلين بالاستحباب و الندب لا الوجوب، فقد نوقشت كالتالي:
1 - أما حديث عثمان الذي دخل و عمر يخطب و قد ترك الغسل
فأجاب القائلون بالوجوب عن هذا الحديث بأنه حجة على القائل بالاستحباب له.
قال الشوكاني: لأن إنكار عمر علي رأس المنبر في ذلك الجمع علي مثل ذلك الصحابي الجليل و تقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة، و لو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب، لما عدل ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره، فأي تقرير من عمر و من حضر بعد هذا؟! … (1)
اعترض الجمهور على ذلك بأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة و هي التبكير إلي الجمعة و ليس ذلك واجباً اتفاقاً، فيكون الغسل كذلك.
كما أن القول بترك عثمان الغسل مع اعتقاده بوجوبه يلزم منه تأثيم عثمان رضى الله عنه.
و أجاب القائلون بالوجوب على الاعتراض الثاني بأن عثمان رضى الله عنه معذوراً لأنه إنما تركه ذاهلاً عن الوقت، قال الحافظ: مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار، لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء، و إنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر، لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلي الجمعة كما هو الأفضل (2).
2 - و أما حديث: " من توضأ فبها نعمت، و من اغتسل فالغسل أفضل ".
فاعترض القائلون بالوجوب بأن للحديث طرقاً أشهرها و أقواها فيه علتان، كما قال الحافظ في الفتح (1):
إحداهما: أنه من عنعنة الحسن. و الأخرى: أنه اختلف عليه فيه.
و سائر طرق الحديث ضعيفة.
قال ابن دقيق العيد: و لا يقاوم سنده سندي هذه الأحاديث. أ ه. أي أحاديث الوجوب.
أجاب الجمهور أن الحديث يصلح للاحتجاج به و قد حسنه غير واحد من الأئمة، فيصلح قرينة صارفة للأمر عن الوجوب إعمالاً للدليلين، و لغيره من الأدلة.
3 - و أما حديث عائشة قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم و من العوالي فيأتون في العباء فيصبن الغبار و العرق، فتخرج منهم الريح … الحديث و فيه قوله صلى الله عليه و سلم: " لو اغتسلتم يوم الجمعة ".
¥