ومن هنا نعلم أن مقام الأنبياء يجوز عليه عندهم ما لا يجوز على أئمتهم, ولو كان فيه نوع انتقاص وازدراء بهم, المهم ألا يمسَّ جناب أئمتهم الاثني عشر المعصومين! فانطلق الشيعة يمثلون الأنبياء غير مبالين بهذه الركيزة وهذا الأصل, وهو احترام جناب الأنبياء وعدم تنقُّصهم, وأن في ذلك انتهاكاً لحرمة الله, ولحرمة الشريعة, التي ما صانوها أصلاً, ولا صانوا صاحبها وحاملها حين كفَّروا أصحابه, وقذفوا زوجاته, وكذبوا عليه, قاتلهم الله…
حكم التمثيل:
ما كتبناه وقدَّمناه مقدمة وتنبيه يحتاج إليها كلُّ مسلم نبيه, ليكون عنده خلفيَّة عن هؤلاء القوم, ولا يَستغرِب أن يصدر منهم ما يمثِّلونه ويبثُّونه على قنواتهم.
أما حكم التمثيل بشكل عام, فهو محرَّم على أرجح الأقوال بناءً على عدة أدلة, منها:
أولاً: ما ثبت عن أمِّنا عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «حسبك من صفية كذا وكذا» تعني: قصيرة. فقال: «لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجَتْه». قالت: «وحكيتُ له إنساناً, فقال: «ما أُحِبُّ أَنّي حكيت إنساناً وأنَّ لي كذا وكذا». أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5515).
قال أبو السعادات -رحمه الله- مفسِّراً المحاكاة: «أي: فعَلْتُ مثل فِعله». «النهاية» (1/ 421).
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: «قوله: «حكيت إنساناً» أي: قلَّدته في حركاته وأقواله, فهي غيبة فعليَّة، وهي كالغيبة القوليَّة في التحريم سواء. ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: «وأنَّ لي كذا» أي: وأنَّ لي على تلك المحاكاة، وهذا من أدلة التحريم».اهـ «حكم التمثيل» (ص33).
وقال شيخنا عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-: «أي: أنها فعلت مثل فعله، أو قلَّدت هيئته، فقال: «ما أحب أني حكيت إنساناً ولي كذا وكذا» أي: أن هذا العمل غير سائغ، وهذا الحديث يدلُّ على تحريم التمثيل، الذي هو مبنيٌّ على الحكاية، ومبنيٌّ على التقليد، وعلى -كما يقولون- تقمُّص شخصيَّة شخص آخر، وأنه يأتي بحركات وأفعال تضاف إليه، فهو من جملة الأحاديث التي تدلُّ على أنَّ التمثيل الذي ابتُليَ به كثير من الناس في هذا الزمان غير جائز، ومما يدلُّ على تحريمه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويلٌ لمن يكذب ليضحك القوم، ويلٌ له, ثم ويلٌ له»، ومعلوم أن التمثيلَ مبنيٌّ على الكذب».اهـ «شرح سنن أبي داود» (28/ 114).
وقال الشيخ بكر -رحمه الله-: «إِنَّ عُشَّاق اللَّهو من العظماء والمترفين لا يمكن التَّجاسر بمحاكاتهم على ملأٍ من الناس، ولو في مواطن الشجاعة والكرم، فكيف تُهدَم حرمات ناس مضوا، وبقي علينا واجب النُّصرة لهم بالإسلام؟ فلننتصر لحفظ حرمتهم، والإبقاء على كرامتهم «وكلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»، فكيف إذا كان فيه مواقف من الإيذاء والسخرية والاغتياب، والكذب عليه بقولٍ وما قال، وفعلٍ وما فعل؟!
وإن السؤال ليرد على من يعتني بها، وعلى من يستخرجها، ويتلذَّذ بتمثيل غيره معيَّناً، هل يرضى أن يُمثَّل في مشاهدته، وهو يتحدث مع زوجته، أو قائم في صلاته، أو في حال تلبُّسه بخطيئة، أو في أي دور من أدوار حياته؟!». اهـ «حكم التمثيل» (ص33 - 34).
ثانياً: أن في التمثيل تشبُّهاً بأهل الكفر والفسوق, وقد نهينا عن التشبه بهم, وخاصة إذا كان متعلِّقاً بقبائحهم ومنكراتهم.
وجاء في المسند وسنن أبي داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: «من تشبَّه بقومٍ فهو منهم». صححه الألباني في «إرواء الغليل» (1269).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم, كما في قوله -تعالى-:) وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (». اهـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص83).
قال الشيخ عبد السلام بن برجس -رحمه الله-: «وإذا نظرت إلى هذا التَّقرير البديع في مسألة التشبه، ثم أعملت النظر في تتبع أصول «التمثيل» , وإلي أي مِلَّة يرجع، وفي أي قوم ينتشر، ومن أي بلد وفد إلينا؛ تيقَّنت حرمته ونكارته، وقنعت بوجوب هجره وتركه.
¥