وكانت الخلفاء في التاريخ الإسلامي، يستهلُّون خلافتهم بالخطبة وإقامة الصلاة في الناس، ولم يزل المسلمون أوَّل ما يفعلونه في الأرض المفتوحة بناء المساجد لإقامة الصلاة، وذلك إلى عهد الفتوحات العثمانية التي بنت المساجد إلى وسط أوربا، وتراها اليوم كلّما توغلتَ من تركيا إلى يوغسلافيا السابقة، شاهدةً على حقيقة أنَّ عزّة الأمة كانت مرتبطة بعنايتها بإقامة المساجد للصلاة.
وما كان يمنع الجيوش الإسلامية عن غزو قرية أو مدينة، إلاّ سماع الأذان، كما هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان أوَّل شيء عمله صلى الله عليه وسلم في المدينة عندما هاجر إليها، بناء المساجد لإقامة الصلاة، ومن هنا انطلقت أوّل وأعظم دولة في الإسلام بركةً على العالمين، وكانت هي استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام عند المسجد الحرام عندما بنى البيت العتيق أوَّل مسجد وُضع للناس، وهو الذي منْ تحته مُدَّت الأرض، ولهذا جعلت الأرض مسجداً وطهوراً للأمّة الكاملة أكثر الأمم صلاة وأتمها.
ولأن َّ تاريخ إنتشار حضارة الإسلام مرتبط بالمساجد، قال هؤلاء الأمريكيون المعارضون لبناء المسجد في نيويورك، أنَّ دلالته مأخوذة من تاريخ المسلمين، فقد كانوا يبنون المساجد في مواضع إنتصاراتهم!
وبهذا يتبيّن أنَّ الفرد، والأمّة، والنظام السياسي الذي به تتجلّى شخصيتها الحضارية، كلّها مرتبطة بالصلاة، فهي حياة الفرد، وهي حياة الأمّة، وهي حياة حضارتها.
فلا جرم إذن جُعلت عمود الدين، وجُعل تاركها كافرا، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة، ولا أصرح من هذه الآية القرآنية التي قال الله تعالى فيها: (فلا صدق ولاصلَّى، ولكن كذب وتولى).
ولهذا صارت الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي لاتسقط بحال، وما سقطت عن الحائض إلاّ تعظيما لقدر الصلاة، حتى لاتفعل هذه العبادة العظيمة بغير طهارة،
ولهذا أيضا فهي لا يجوز أداؤُها إلاَّ بالطهارة الكاملة في المكان، واللباس، والجسد، ثم إنها العبادة الوحيدة التي يؤمر المصلي فيها ألاّ ينشغل بغيرها، بجوارحه وقلبه، فلا يفعل شيء سوى أفعال الصلاة، حتى ينتهى منها، وهذا بخلاف سائر العبادات.
ولاتكاد تقرأ صفحة من المصحف إلاّ وتجد فيها ذكر الصلاة، وعادة القرآن عندما يختصر الرسالة المحمدية يقول: (وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)، ويقول (فإن تابوا وأقاموا الصلوة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ونظائرها،
وعندما تأتي أعظم مقامات الإتصال بين الله تعالى ورسله وهو كلامه سبحانه، يأمرهم بالصلاة في ذلك المقام، كما قال لموسى عليه السلام: (فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري)
وكذلك نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عندما سمع كلام ربِّه من وراء الحجاب ليلة المعراج، فأمره بالصلاة، ولم يجعلها وحيا ينزل به جبريل عليه السلام، بل استدعى محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرش المجيد، وأوقفه وراء الحجاب عند الحضرة الإلهية المقدسة، فأعطاه منشور الصلاة مباشرة، وذلك لعظم شأنها، ولهذا السبب جعلت الصلاة هي النور، كما في الحديث (الصلاة نور) لأنها أخذت من بؤرة النور، عند نور الحجاب، من النور الإلهي مباشرة من غير واسطة.
ولهذا كان أوفر العلماء حظَّا من نور البصيرة أكثرهم صلاة، ولاتجد جيلا أكثر صلاة من القرن الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، وتلك هي القرون المفضلة وفيها أئمة الدين، وأعلام الهدى الذي سار على دربهم من خلفهم.
وعندما آمن السحرة بموسى علموا أن أعظم ما جاء به الصلاة، فأعلنوا توبتهم بالسجود: (فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون)
وعندما نطق روح الله عيسى عليه السلام، كان أول ما قال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلنى نبيّا وجعلني مباركا إينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا)
وعندما وضع إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر، وابنه إسماعيل عليه السلام، وهي بذرة أمة التوحيد، قال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة).
¥