تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمَن أعرض عن الدعاء والافتِقار والإلحاح على الله فإنَّه يشتَغِل بمسألة الناس، ويُقْبِل على التذلُّل لهم ... فيرتكب ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، ومفسدة إيذاء المسؤول، ومفسدة امتهانه لنفسه، وذله لغير الله [11] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24785/#_ftn11#_ftn11).

قال ابن تيمية: "وقد جرَّب الناس أنَّ مَن لم يكن سائِلاً لله سأَل خلقَه، فإنَّ النفس مضطرَّة إلى مَن يُحصِّل لها ما ينفَعُها، ويَدفَع عنها ما يضرُّها؛ فإنْ لم تطلب ذلك من الله طلبَتْه من غيره" [12] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24785/#_ftn12#_ftn12).

وهذا حال بعض شيوخ الصوفيَّة الذين يترُكون الدعاء استِكبارًا وغرورًا، ويدَّعون الاستغناءَ عن اللَجَأ إلى الله - عزَّ وجلَّ - ثم آخِر حالهم يَعكُفون على أبواب الظَّلَمة، ويَقتاتون من مكاسب خبيثة.

وقد وصَف ابن تيميَّة أولئك الشيوخ بقوله: "هكذا شيوخ الدعاوَى والشطح، يدَّعِي أحدهم الإلهيَّة، وما هو أعظم من النبوة، ويعزل الربَّ عن ربوبيَّته، والنبيَّ عن رسالته، ثم آخِرته شحَّاذ يطلب ما يقيته، أو خائف يستعين بظالمٍ على دفْع مظلمته، فيفتَقِر إلى لقمة، ويَخاف من كلمة؛ فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبيَّة المتضمِّنة للغِنَى والعزِّ؟! " [13] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24785/#_ftn13#_ftn13).

وفي غمرة الغفلات المتتابعة، وحظوظ النفس المتشعِّبة، وصخب الحياة الجسديَّة - فإنَّ النفس لا تنفكُّ عن الجهل والظلم، وحينئذٍ يعتدُّ الأشخاص بقدراتهم ومواهبهم التي امتنَّ الله بها عليهم، ويَركَنون إلى حولِهم وقُوَّتهم، ويدَّعِي أحدُهم بلسان الحال أو المقال أنَّه "العملاق" أو "سوبر مان".

بل إنَّ اعتِداد الشخص وثقتَه بنفسه وطاقته بعُجَرها وبُجَرها قد استَحوَذ على فِئامٍ من الدعاة، فلا تَكاد تُخطِئ عينُك كثرة الدَّورات والندوات في هذا الشأن؛ وغرق القوم في الالتِفات والاعتماد على الأسباب الظاهرة المحسوسة، بل تجاوَزُوه إلى تعلُّق بأسبابٍ مثالية موهومة، وأعقب ذلك ما نُكابِده من ضعْف الأحوال الإيمانية: من الإخبات والخشوع والإنابة إلى الله - تعالى - بل ربما غاب ما يتعيَّن استصحابُه من فقرنا وفاقتنا، وضعفنا ومسكنتنا، وعجزنا وتفريطنا في جنْب الله.

والناظر إلى الأئمَّة الأعلام لدى أهل الإسلام والسُّنة، وسِيَرِهم وأحوالهم، لا تكاد تجدهم إلا أصحاب إخباتٍ وانطِراحٍ بين يدي الله - تعالى - واعتِراف بالذنب والتقصير، ويقين بالفاقة إلى الغني الحميد - سبحانه - فرحمة اللهِ على تلك الأرواح، لم يبقَ منهم إلا الأشباح.

وقدوتهم في ذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان يقول: ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهْدك ووعْدك ما استطعتُ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) [14] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24785/#_ftn14#_ftn14).

وروي عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((اللهم إنَّك تَسمَع كلامي، وترى مَكاني، وتَعلَم سرِّي وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، والوجل المشفق، المقرُّ بذنبه، أسألك مسألةَ المسكين، وأبتَهِل إليك ابتهالَ المذنب الذليل، وأدعوك دعاءَ الخائف الضرير، مَنْ خضعَتْ لك رقبتُه، وذلَّ لك جسدُه، ورَغِمَ لك أنفُه، اللهم لا تجعلني بدعائك ربي شقيًّا، وكُنْ بي رؤوفًا رحيمًا، يا خير المسؤولين، يا خير المُعطِين)) [15] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24785/#_ftn15#_ftn15).

ويبدو أنَّ ثمَّة تَلازُمًا بين أكْل الحلال، وحلاوة المناجاة لله - تعالى - ولذَّة الأنس والافتِقار إليه - عزَّ وجلَّ - وقد قرَّر الحافظ ابن كثير - في "تفسيره" - أنَّ أكْل الحلال عونٌ على العمل عند تفسيره لقوله - تعالى -: ? يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ? [المؤمنون: 51].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير