وقد توسع مفهوم التصوف بالتدريج حتى اتّسع خرقه على كل راتق، وأصبح مطّاطاً لكل لقيط من القول أو الفعل يدخله الصوفيه فيه، وتعاظم عدد ألقاب شيوخه، حتى زاحمت أوصاف النبوة والرسالة والولاية!! وذهب ذلك الزمان الذي شهد بساطة التصوف والمتصوفة، يقول معروف الكرخي (ت: 200 هـ / 815) - كما نقل ذلك السهروردي في عوارف المعارف -: " التصوف هو الأخذ بالحقائق، واليأس مما في أيدي الخلائق، فمن لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بالتصوف "، ويقول ذو النون المصري (ت: حوالي 245هـ / 852) - كما نقل السهروردي أيضاً - عن الصوفية: " هم قوم آثروا الله تعالى على كل شيء، فآثرهم الله على كل شيء ".
نعم ذهب ذلك الزمان، وبقينا في خلف من الصوفية آثروا كل شيء على الله تعالى، حتى ليصدق عليهم أن نقول إنهم عارفون بكل شيء إلا الله عز وجل.
أما من ناحية اللغة فقد رجّح ابن تيمية يرحمه الله - كما يقول الدكتور مصطفي حلمي في كتابه أعمال القلوب -: " أن تكون نسبة الصوفية إلى لبسة الصوف التي كانت دأب الأنبياء عليهم السلام، والصديقين وشعار المساكين المتنسكين، لأنه لو كان نسبة - أي صوفي - إلى الصف المقدم بين يدي الله لقيل صَفّي، وإذا قيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله لكان الاسم الصحيح صفوي، وإذا كانت النسبة إلى صوفة بن بشر بن أد بن طابخة، من القبيلة المجاورة لمكة منذ الزمن القديم ـ الذين ينسب إليهم النساك ـ فإنه قول ضعيف؛ لأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لعرف هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم، كما لا يرضى صوفي أن يكون مضافاً إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام، فالأصح إذن أن الصوفية نسبوا إلى اللبسة الظاهرة من الصوف، فقيل في أحدهم صوفيّ، وليس طريقهم مقيّداً بلباس الصوف، ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال.
ويذهب - أيضاً ابن تيمية - إلى أن لفظ الصوفية لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة الأولى، وإنما اشتهر التكلم به بعدها، ويعرض للاحتمالات حول الزمن الذي ظهر فيه.
وقيل إن أول من وصف باسم الصوفي هو جابر بن حيان الكيميائي الشيعي، وأبو هاشم وكانا بالكوفة.
متى بدأت العزمية ومن ومن هو مؤسسها؟
ونعود فنقول: بدأت العزمية بتأسيس شيخها لجماعة آل العزائم سنة 1311 هـ الموافق 1893، ثم أسس بعد ذلك الطريقة العزمية 1353 الموافق 1934، ومقرها 114 شارع مجلس الشعب بالقاهرة.
أما المؤسس فهو السيد / محمد ماضي أبو العزائم، الذي ولد يوم الاثنين 27 رجب 1276 هـ الموافق 2/ 11/1869 بمسجد زغلول برشيد، لأب حسيني وأم حسنية - كما تذكر مصادر الطريقة - وقد عمل بالتدريس، وتدرج حتى صار أستاذًا للشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم، ثم أقاله الحاكم الإنجليزي العام من وظيفته في سنة 1915 م، وأسس الطريقة في سنة 1934م.
وكانت وفاته في ليلة الاثنين 27 رجب 1356 هـ الموافق 1937 م، ودفن بمسجده بشارع مجلس الشعب بالقاهرة، وعجيب أن يتفق يوم مولده (الاثنين) مع ليلة وفاته (الاثنين) وكلاهما يوافق 27 رجب (وهو التاريخ الذي يحتفل فيه الصوفية بذكرى الإسراء والمعراج)!!
وقد ترك أبو العزائم كتباً في التفسير وفي الفقه وعلم الكلام والتصوف والمواجيد وغيرها، وخلفه على الطريقة ابنه أحمد محمد ماضي أبو العزائم، الذي توفي في سنة 1970هـ، وخلفه ابنه عز الدين أحمد أبو العزائم، وخلف عز الدين أخوه علاء الدين وهو شيخ الطريقة الآن.
ومن هذا يتضح أن العزمية بدأت بأبي العزائم (محمد ماضي)، ولا وجود لها قبله بحسب المصادر التي تعدد أصول الطرق وفروعها وبيوتها، فالأصول مثل القادرية، والرفاعية، والأحمدية، والبرهانية، والشاذلية، والسهروردية، والنقشبدنية، والحسنية، الكشيرية، والمدينية، والفردوسية، والهمذانية، والطيغورية .. إلى آخر هذه الأسماء ليس فيها العزمية، وتفرع عن بعض الأصول فروع عديدة، ليس منها كذلك العزمية، وفي بعض الطرق توجد لها بيوت مثل الرفاعية مثلاً وبيوتها ثلاثة هي: البازية، والملكية، والحبيبية، وكلها تحت شيخ واحد ليس فيها - كما نرى - العزمية!! والفرق بين الفروع والبيوت أن الفروع مستقلة كل فرع له شيخه، أما البيوت فشيخها واحد.
¥