والسنن والبدع ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه
426
[الدارمي] فإن كنتم من المؤمنين وعلى منهاج أسلافهم فاقتبسوا العلم من أثرهم، واقتبسوا الهدى في سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما كما رضي بها القوم لأنفسهم إماما، فلعمري ما أنتم أعلم بكتاب الله منهم ولا مثلهم، بل أضل وأجهل، ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على / ما تروى، فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين
434
حتى إن أئمة أصحاب الأشعري المتأخرين كأبي / حامد وابن الخطيب وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى قول المعتزلة أو قريب منه، وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل المعقول، بل المعلوم بدلائل العقول امتناع وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن تعلقها به
438
[ابن رشد] وذلك أنه يشبه أن يكون في الحجج ما يوجد في الناس، أعني أنه كما يوجد في الناس الفاضل التام الفضيلة، فيوجد فيهم من هو دون ذلك في الفضل، ويوجد فيهم من يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، وهو المرائي، وكذلك الأمر في الحجج؛ أعني أن منها ما هو في غاية اليقين، ومنها ما هو دون اليقين، ومنها حجج مرائية؛ وهي التي توهم أنها يقين وهي كاذبة، والأقاويل التي سلكها الأشعرية في هذه المسألة منها أقاويل في / دفع دليل المعتزلة، ومنها أقاويل لهم في إثبات جواز الرؤية لما ليس بجسم وأنه ليس يعرض من فرضها محال.
443
وقد اضطر المتكلمون لمكان هذه المسألة وما أشبهها أن يسلموا أن الألوان ممكنة أن تسمع والأصوات ممكنة أن ترى، وهذا كله خروج عن الطبع وعما يمكن أن يعقله الإنسان
446
ولولا النشوء على هذه الأقاويل وعلى التعظيم للقائلين بها لما أمكن أن يكون فيها شيء من الإقناع ولا وقع بها التصديق لأحد سليم الفطرة
451
وإن كانوا قد لا يعلمون أن ذلك نفاقا وزندقة
[كذا ولعل الصواب أن في ذلك]
464
أن جميع العقلاء الذين خبروا كلام أرسطو وذويه في العلم الإلهي علموا أنهم من أقل الناس نصيبا في معرفة العلم الإلهي، وأكثر الناس اضطرابا وضلالا، فإن كلامه وكلام ذويه في الحساب والعدد ونحوه من الرياضيات مثل كلام بقية الناس، والغلط في ذلك قليل نادر، وكلامهم في الطبيعيات دون ذلك غالبه جيد، وفيه باطل، وأما كلامهم في الإلهيات ففي غاية الاضطراب مع قلته، فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل / هو قليل كثير الضلالة عظيم المشقة، يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الإلهية، فكيف يستدل بكلام مثل هؤلاء في العلم الإلهي وحالهم هذه الحال؟!
495
ومن العجب أنه [الرازي] ذكر في نهايته على لسان منازعيه إجماع المسلمين على تكفير المشبهة، وأنه ليس هو الذي يذهب إلى كون الله تعالى وتقدس شبيها بخلقه من كل الوجوه، فإن هذا لم يذهب إليه عاقل. فتعين أن يكون هو الذي يثبت الإله على صفة يشبهه معها بخلقه، ثم ذكر هو إجماع المسلمين على كون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه / فالذي ذكر أولئك إجماع المسلمين على تكفير قائله ذكر هو إجماع المسلمين على القول به!!
514
وإذا كانت الدعوى مجملة تحتمل مورد النزاع وما هو أعظم منه وما هو أخص منه لم تكن إقامة الدليل عليها دافعة للخصم وهذا بين
518
وذلك أنه يمتنع أن يكون كل من الشيئين علة للآخر؛ لأن العلة متقدمة للمعلول، فيلزم أن يكون كل منهما علة للآخر ومعلولا له، فيلزم تقدمه عليه وتأخره عنه، وذلك يستلزم تقدمه على نفسه بدرجتين وتأخره عن نفسه بدرجتين، ويستلزم كونه علة لنفسه ومعلولا لنفسه؛ لأنه يكون علة علته ومعلول معلوله جميعا، ولا يمتنع أن يكون كل من الشيئين مقارنا للآخر، بحيث لا يوجد إلا معه كالأمور المتضايفة مثل الأبوة والبنوة ونحو ذلك، وهذا دور / الشروط، فيجوز أن يكون وجود كل من الأمرين شرطا في وجود الآخر بحيث لا يوجد إلا معه، فهذا جائز ليس بممتنع
523
الوجه الثالث: أن تعين الشيء في اقتضائه لنفي وجوب المثل كما هو في اقتضائه لنفي وجود المثل، ثم من المعلوم أنه إذا كان امتناع حصوص التعين في الغير يقتضي نفي المثل وجب أن لا يكون لشيء من الأشياء نظير ولا شبيه ولا مثل؛ فإنه ما من شيء إلا له عين مخصوصة يمتنع حصولها في غيره، فإن كان عدم حصول عين الشيء في غيره يقتضي عدم مثله ونظيره فليس في الوجود ما له نظير وشبيه، وهذا من أبطل الأشياء، وإذا لم يكن تعين الشيء مانعا من وجود النظير لم يكن مانعا من وجوب النظير، فإنه لا يدل على هذا ولا هذا.
547
[الأشعري] وحكي عن رجل كان يعرف بأبي شعيب أن الباري يُسر بطاعة أوليائه / وينتفع بها وبإنابتهم، ويلحقه العجز بمعاصيهم إياه)
563
فمن ذلك أن الجاحظ ذكر عن النظام أن هشاما قال في التشبيه في سنة واحدة خمسة أقاويل، قطع في آخرها أن معبوده بشبر نفسه سبعة أشبار
565
قال [أبو عيسى الوراق]: وليس من هؤلاء أحد جرد القول بالجسم ولكنهم كانوا يقولون هو نور على صورة الإنسان، وينكرون قول القائل بالجسم، فقاس من حكى ذلك عنهم عليهم، وحكى من طريق القياس، إذ كان الحاكي لذلك يعتقد أن الصور لا تكون إلا للأجسام فغلط عليهم، وهكذا غلط كثير من أهل الكلام
605
[الدارمي] وهي كلمة [يعني الحد] لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين، فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمت مرادك أيها الأعجمي؛ تعني أن الله تعالى لا شيء؛ لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة، فالشيء أبدا موصوف لا محالة، ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية، وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء.
[انتهت الفوائد المنتقاة من المجلد الثاني بحمد الله]
¥