تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهؤلاء السمنية يكون قولهم إن ما لا يدرك بالحواس لا يكون له حقيقة، ثم الرجل قد يعلم ذلك بحواسه وقد يعلم ذلك بإخبار من علم ذلك بحواسه، ويدل على ذلك أن هؤلاء قوم موجودون، فالرجل منهم لا بد أن يقر بوجود أبويه وجده وولادته وحوادث بلده الموجودة قبله وما يحتاج إليه من أخبار الناس والبلاد وهذه الأمور كلها لا يعلمها أحدهم إلا بالخبر فإنه لا يدرك بحسه ولادته وإحبال أبيه لأمه ونحو ذلك لكن المخبرون يعلمونها بالإحساس ولا يتصور أن يعيش في العالم أمة يكذبون بكل ما لا يحسونه، بل هذا يلزم أن بعضهم لا يزال غير مصدق لبعض في معاملاتهم واجتماعاتهم، والإنسان / مدني بالطبع لا يعيش إلا مع بني جنسه، ومن لم يقر إلا بما أحسه لم يمكنه الاستعانة ببني جنسه في عامة مصالحه.

455

قال الإمام أحمد: وجد الجهم ثلاث آيات من القرآن من المتشابه قوله {ليس كمثله شيء} {وهو الله في السموات وفي الأرض} {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} فبنى أصل كلامه على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله ? وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا، وكان من المشبهة فأضل بكلامه بشرا كثيرا واتبعه على قوله / رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية.

462

فإن اسم السيد يقتضي الجمع والقوة، ولهذا يقال: السواد هو اللون الجامع للبصر، والبياض اللون المفرق للبصر، ويقال للحليم: السيد؛ لأن نفسه تجتمع فلا تتفرق وتتميز من الغيظ والواردات عليها، وكذلك هو الذي يصبر على الأمور / والصبر يقتضي الجمع والحبس والضم، وضده الجزع الذي يقتضي التفرق وكذلك التعزي والتعزز وعززته فتعزى أو هو لا يتعزى هو ضد الجزوهن فإن التعزز والتعزي يقتضي الاجتماع والقوة والجزع يقتضي التفرق والضعف.

465

وذلك أن لفظ (ص م د) يدل على الاجتماع والانضمام المنافي للتفرق والخلو والتجويف، كما يقال صمد المال وصمده تصمدا [تصميدا] إذا جمعه وضم بعضه إلى بعض ومنه في الاشتقاق الأكبر الصمت والتصمت فإن التاء والدال أخوان متقاربان في المخرج، والاشتقاق الأكبر هو ما يكون فيه الكلمتان قد اشتركت في جنس الحرف / فالكلمتان اشتركتا في الصاد والتاء، والتاء والدال أخوان يقال صمت صماتا وصموتا وأصمت إصماتا وهو جمع وضم ينافي الانفتاح والتفريج ولهذا يقال للعظام ونحوها من الأجسام منها أجوف ومنها مصمت.

493

لهذا تغلط الأذهان هنا كثيرا؛ لأن بين ما في الأذهان وما في الأعيان مناسبة ومطابقة وهو من وجه مطابقة العلم للمعلوم، ومخالفة من وجه وهو أن ما في النفس من العلم ليس مساويا للحقيقة الخارجة، فلأجل ما بينهما / من الائتلاف والاختلاف كثر بين الناس الائتلاف والاختلاف، ومن فهم ما يجتمعان فيه ويفترقان زاحت عنه الشبهات في هذه المحارات.

511

فهذا شأن كل من أراد أن يُظهر خلاف ما عليه أمة من الأمم من الحق إنما يأتيهم بالأسهل الأقرب إلى موافقتهم، فإن شياطين الإنس والجن لا يأتون ابتداء ينقضون الأصول العظيمة الظاهرة فإنهم لا يتمكنون.

515

وإنما الغرض التنبيه على أن دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الأسهل والأقرب إلى موافقة الناس إلى أن ينتهوا إلى هدم الدين، وهذا مما يفعله بعض أهل الحق أيضا في دعوة الناس إلى الحق شيئا بعد شيء بحسب ما تقتضيه الشريعة وما يناسب حاله وحال أصحابه.

538

وكان أبو المعالي الجويني كثير المطالعة لكتب أبي / هاشم بن أبي علي الجبائي، وكان من أذكياء العالم، وكان هو وأبو الحسن الأشعري كلاهما تلميذا لأبي علي الجبائي، لكن الأشعري رجع إلى مذهب الأثبات [كذا] الذين يثبتون الصفات والقدر ويثبتون خروج أهل الكبائر من النار ولا يكفرون أحدا من أهل الإيمان بذنب ولا يرون القتال في الفتنة فناقض المعتزلة في أصولهم الخمس التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة ....... وأما أبو هاشم فكان على هذه الأصول مع أبيه وإن / كان يخالفه في كثير من المسائل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير