الإجماع الذي نقله ابن قدامة رحمه الله: ((وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله)).
الملاحظة الثانية: جمعه بين المتاقضات، فهو يصحح كلاً من المذهبين التفويض والتأويل:
. كقوله: ((وكلا الرأيين صحيح)) أي التفويض والتأويل.
الملاحظة الثالثة: الراحة النفسية تخول للمسلم أن يختار أن يكون مفوضاً أو متأولاً، ولم يشر إلى ظهور دليل، أو اتباع سلف، وهذ واضح من:
. قوله: ((وكل مسلم يختار ما ترتاح إليه نفسه من هذين الرأيين اللذين لقتهما الأمة بالقبول في العصور المختلفة)).
. تصحيحه لكلا القولين كما تقدم، وزعمه إجماع الأمة على تلقيهما بالقبول.
الملاحظة الرابعة: يقول عن صفات الله عز وجل الثابتة له (شبهات)، كما في:
قوله: ((شبهة العين)).
قوله: ((شبهة الوجه)).
والرد على كلامه هذا أن نقول: أما آيات و أحاديث الصفات التي ذكرتها في كتابك فهي حجة عليك مهما نقلت من تأويلات وتمحلات الخلف، و كلام السلف الذي تنقله على استحياء أيضاً حجة عليك، وما نقلت عن بعضهم من تأويلات لبعض الآيات فليس فيها حجة لك، و أنت محجوج بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولن نعيد ذكر ما ذكره هذا الكاتب في كتابه من النصوص القاطعة من الكتاب والسنة الدالة على إثبات صفات الله عز وجل، ولكن نقول له ولمن كان على شاكلنه، ما ضرك أن تلتزم قول الله وقول رسوله، وتترك عنك تأويلاتٍ ما أنزل بها من سلطان، وإنما هي من ثمرة تحكم العقل في النص الثابت الصحيح، وإن كان قد عظم في نفسك وكبر قدر تلك العقول البشرية التي تأولت، وعظم عليك أن يكون الأكثر من العلماء أخطأوا في هذا الباب، فأعلم أن الله أكبر وأجل وأعظم من أن يتوقف فهم كلامه على تأويلاتهم المتكلفة، وتمحلاتهم المستنكفة، قال الله تعالى: {}.
ثم نقول تنزلاً إن كان هذا الفهم لكتاب الله متوقفاً على هذا التأويل، فلماذا لم يتأول رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات مع أن الله أمره بالبيان في قوله: {}، فإن قلتم ترك ذلك امتحاناً وابتلاءً، فنقول: ألم يكن أولى الناس بمعرفة التأويل أفصح الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام، وهم من أعلم الناس بالشرع وبلغة العرب، فأنتم تشترطون لهذا المتأول الإحاطة باللغة العربية والأدلة الشرعية، ومع ذلك لم يتأولوا كما تأولتم؛ فأي شيء خصكم الله به دونهم؟!
ثم ما الفرق بين تأويل الأشعري، والمعتزلي، والرافضي، والجهمي، أليس كلهم يزعم تنزيه الرب عز وجل؟!
ومع ذلك كله لم نر الأشعري سكت عن المعتزلي، ولا المعتزلي عن الرافضي، ولا الجميع عن الجهمي، فاتق الله أيها الكاتب، ولا تقحم نفسك في سبل قد ولجها من قبلك، فمنهم من تاب منها، ومنهم من مات عليها والله أعلم بحاله عند رب العالمين.
ويسعك ما وسع الأنبياء والرسل عليهم السلام، والصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم من الأئمة الأعلام ممن لا يعرفون إلا بعقيدة السلف الصالح، الذين آمنوا بهذه الآيات مثبتين لله ما جاء فيها من صفات، وهم يفهمون المعنى، ويفوضون علم الكيفية إلى الله عز وجل، فوقفوا حيث أوقفهم الله.
وما نقلته أنت بنفسك من إجماعهم على ذلك حجة عليك، أم أنك لا تقول بحجية الإجماع؟!
ها أنت قد نقلت إجماعهم من تفسير القاسمي ص177 من كتابك: ((قال ابن عبد البر في شرح الموطأ: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة ويزعم أن من أقر بها شبه وهم عند من أقر بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة)).
((وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل: لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات الله لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق)).
¥