إيهام القاريء أن السلف يقولون أن من صفات الله (الجنب)، ونحيله إلى قول الإمام الدارمي رحمه الله في رده على المريسي ص 184 حيث يقول: ((وادعى المعارض أيضا زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} قال: يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس على ما يتوهمونه.
فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقاً في دعواك فأشر بها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين فهذا تفسير الجنب عندهم فما أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم)).
. الملاحظة الخامسة: يبني على دعواه اجتماع الأمة على مذهبي التفويض والتأويل، أن ليس لأحد أن ينكر على أحد في هذه المسائل، ولا يعيب أحد على أحد، وأن هذا مذهب العلماء الأثبات، وعليه درجوا، مثال ذلك من كلام الكاتب:
. قوله: ((ولا أحد يفسق أحداً أو يبدعه، أو يماريه، خاصة أن العلماء الذين قالوا بتفويض الكيف لم يفسقوا أحداً أو يبدعوه أو يقولوا له إن دينك مدخول أو عقيدتك غير صحيحة، ويشغلوه عن جلائل الأمور وعن فروض الإسلام وواجباته)).
. قوله: ((فلا يأتين اليوم من يشكك في هذا أو ذاك، أو يعيب هذا أو ذاك)).
. قوله: ((ولا يحق لأحد أياً كان أن يثيرها بدعة اليوم ويفرق بها الأمة، ويشغلها عن حمل رسالتها ومقارعتها لأعدائها)).
. و هو يرى أن السكوت هو رأي العلماء الأثبات من المتقدمين والمتأخرين كما تقدم قوله: ((وسار العلماء والفقهاء على ذلك من غير نكير إلى أن أحيا نفر من الناس هذا النزاع ثانية)).
. ويقول في موضع آخر: ((وقد علمنا أن من فسر الصفات بالغة التي نزل بها القرآن، كان يقصد بيان آيات القرآن وإيضاحها كبقية أحكامه، حتى لا يبقى في القرآن شيء مبهم ليس له معنى، وكانوا يريدون بذلك نفي لبتشبيه عن الله سبحانه، وتنزيهه تعالى عن المشابهة لخلقه، وكذلك كان مقصد الموفوضة في الكيفية.
إذن فهذا وذاك يقصدان وجه الله تعالى، ولم يسبق أن فسق أحد من الفريقين الآخر، وإنما أقر كل فريق رأي الآخر، فهل يريد بعض المتعالمين أن يجعلها معركة يفرق بها الأمة، أم ماذا؟)).
الملاحظة السادسة: عدم التزامه بما دعا إليه من الرضا بالمذهبين، و وجوب سكوت أتباع كل مذهب عن الآخر، وذلك واضح من خلال أمور:
الأول: همزه ولمزه لأتباع السلف الصالح ممن يثبت صفات الله عز وجل إثباتاً يليق به، ويمر ما جاء عن الله ورسوله فيها على ظاهره مع إثبات المعنى وتفويض علم الكيفية لله عز وجل:
. كقوله: ((وفهمها على ظاهرها يؤدي إلى انحراف في العقيدة وإلى زيغ في فهمها)) أليس هذا طعن وعيب؟!
. وهو في ص51 بعد أن ذكر كلام نسبه زوراً إلى من أسماه (فريق من السلف العلماء) يقولون بالتأويل؛ يقول: ((كذلك فعل الكثيرون من العلماء والفقهاء وهو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية، والجهل بكيفيتها، كقولهم إن لله يداً ولكن لا نعرفها، وليست كأيدي الحوادث، وله نزول وليس كنزولنا .. إلى آخره، فإن في هذه الإحالات على مجهولات لا نفهم مؤداها ولا عاقبتها، شيء يؤدي إلى قصور في فهم الدين، ويؤدي إلى الوقوع في التشبيه عند عوام المسلمين)).
. ويقول في موضع آخر: ((العين من الآيات المتشابهات على فهم الناس، وسنبين رأي العلماء فيها ليتضح القول بالمثال، وحتى لا يخوض كثير مما لا علم لهم في شيء لم يطلعوا عليه، أو يكون لهم به علم وإنما يأخذون الأشياء بالسماع عن آخرين مثلهم في الفهم وعدم العلم، أو ممن يريدون حمل الناس على شيء مشبوه تفريقاً لكلمة المسلمين بذم هذا ةتبديع ذاك وغير ذلك، وإحياء لما اندثر من جدليات لا تفيد الأمة .. )).
¥