وقد تبين من هذا: أنّ الاختلافَ معهم ليس في تعريف التقليد، فالتقليدُ عند الجميع هو قبولُ قولِ مَن ليس قوله حجة، وإنما الاختلاف في تحديد الحجة، فالحجةُ عند أهل السنة والجماعة وجمهورِ المسلمين هي الكتاب والسنة، والحجةُ في أصول العقائد عند المتكلمين هي العقل، أو ما يسمونه الأدلة العقلية.
والمقلدُ الذي لا يفتأ المتكلمون يذمُّونه: هو المتبِعُ للكتاب والسنة، ومنهجهُ هو الواجبُ اتباعُه، والتقليدُ هنا هو عينُ الصواب، وهو ليس من التقليد في شيء، وإنما يسميه المتكلمون تقليداً: تشويهاً لصورتِه، وتنفيراً للناس عنه.
أما التقليدُ الذي توجبُه طائفةُ المقلِّدين في الفروع: فليس عليه دليلٌ من الكتاب أو السنة، وتقديسُهم ليس في موضعه، كما أنّ تشويهَ المتكلمين له ليس في محله.
وما أحسنَ مَن قال في ذمِّ الطائفتَين، ومخاطِباً المتكلمين، الذين تراهم ينصرون التقليدَ في الفروع، مع أنه مذموم، ويُنَفِّرون عنه في العقائد، مع أنه هو الواجب – على التفسير الذي سبق -:
واحذَرْ من التقليدِ فهو مضلَّةٌ * إنّ المقلِّدَ في سبيل الهالِكِ
تأبونَه في العقلِ وهو مقالُكم * في الدين، يا لَه من ضلالٍ فاتكِ
وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب:
عبد الله الأثري.
(1) انظر: (البرهان) للجويني (2/ 1357)، (المستصفى) للغزالي (2/ 462)، (شرح الكوكب المنير) (4/ 529)، وغيرها من الكتب الأصولية.
(2) (مختصر الفتاوى المصرية) (ص/46).
(3) رواه مسلم (ح/1218).
(4) من كلام الشيخ ابن عثيمين في (شرح الأصول من علم الأصول) (ص/641).
(5) انظر: (الإشارة إلى مذهب أهل الحق) للشيرازي (ص/185).
(6) انظر: (شرح الأصول الخمسة) للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/61).
(7) شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي ص: (45).
(8) المصدر السابق ص: (88).
(9) الغنية في أصول الدين له ص: (55 - 56).
(10) انظر: شرح جوهرة التوحيد ص: (34 - 35).
(11) إضاءة الدجنة (ق/2/أ-ب).
(12) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغزالي ص: (81).
(13) فصول من كتاب الانتصار لأهل الحديث ص: (60).
(14) فتح الباري بشرح صحيح البخاري له (13/ 363 - 364 ح7372).
(15) هو: إبراهيم بن سيار بن عباد، أبو إسحاق، النظام البصري المعتزلي.
(16) هو: محمد بن الهذيل بن عبد الله، أبو الهذيل، العلاف البصري المعتزلي، (ت235هـ).
(17) هو: محمد بن عبد الوهاب بن سلام، أبو علي، الجبائي البصري، رأس المعتزلة وشيخهم، (235 - 303هـ).
(18) هو: عبد السلام بن أبي علي محمد بن عبد الوهاب، أبو هاشم الجبائي، شيخ المعتزلة، (ت321هـ).
(19) من البلاهة، وهي الحماقة.
(20) سورة الحج، الآيتان (8 - 9).
(21) الضَّجاجُ: المشاغَبةُ والمشارّة والمجادلة، والبقباق واللقلاق: كثرةُ الكلام.
(22) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي (1/ 11 - 13).
(23) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (13/ 366ح7372). قلت: لا شكّ أنّ مَن كان سليماً في عقلِه وفطرتِه، ولم يحس من مدّعي معرفةِ الطرق شيئاً يُريبُه: يجبُ عليه أن يغتنم توفُّرَ هذا المرشِدِ في مثل هذه الظروفِ الحالِكة، وأن لا يتردّد في استغلال هذا المرشِدِ إلاّ مَن لا يخلو من إصابةٍ في شيءٍ من عقلِه، أو فسادٍ لشيءٍ من فطرتِه، وهذا ينطبقُ تمامَ الانطباقِ على المتكلمين، حيث أغلقوا عليهم بابَ الوحي، الذي قدّمَ لهم كلَّ ما يحتاجون إليه في دينهم في أمور الغيب، ثم لجأوا إلى طرقٍ ساقطةٍ لا تناسبُ الشرعَ والعقلَ لإثباتِ ما أغناهم الشرعُ مؤونتَه، والله تعالى أعلم.
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[06 - 08 - 07, 11:28 م]ـ
هل هذه الرسالة للشيخ محمدي النورستاني؟
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[31 - 12 - 07, 02:11 م]ـ
هل هذه الرسالة للشيخ محمدي النورستاني؟
نعم،هي له.
لكنه آثر ألا أذكر اسمه.
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[01 - 01 - 08, 09:55 م]ـ
نفع الله به، ورسالته عن التفتازاني رسالة قوية ومحررة، بذل فيها الشيخ جهدا كبيرا