لذا فإن بني إسرائيل الذين عاشوا قلة مستضعفة في هذا المجتمع الوثني تأثروا بشكل شعوري ولا شعوري بهذا الجو الوثني فما إن رأوا بعد خروجهم من مصر قوماً يعبدون العجل حتى طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً مثل آلهة أولئك، فلما غضب موسى عليه السلام من هذا الطلب. وذكرهم بنعم الله تعالى عليهم طلبوا منه حسب ما أملته عليهم ثقافتهم الوثنية أن يروا الله جهرة.
قال تعالى: وإذ قلتم يا موسى" لن نؤمن لك حتى" نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 (البقرة).
أي كان من الصعب عليهم تصور إله لا يرونه ولا يستطيعون لمسه لأن المجتمع الوثني الذي نشأوا فيه وهم قلة مستضعفة حفر في أذهانهم وقلوبهم فكرة الإله المرئي الملموس، لذا فقد كان الانحراف عن دين التوحيد أسهل لدى معظم بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام.
ج ـ و قد انتشرت عبر الثقافة اليهودية ظاهرة عبادة الشيطان التي كان لها بعض الانتشار في الحضارة المصرية القديمة، و هي مبنية على الاسطورة الفرعونية القديمة و المشهورة في تلك الحضارة، و المعروفة باسطورة إيزيس و أوزوريس، و قد كُتبت حوالى عام 4000 ق. م و هى كأغلب الأساطير المصرية القديمة لها علاقة وثيقة بالمُعتقدات الدينية و بعبادة الشمس و تقديس نهر النيل.
- و تقول الأسطورة أن أوزوريس هو إبن إله الأرض الذى ينحدر من سلالة إله الشمس رع، و قد أصبح أوزوريس ملكاً على مصر و علم شعبها كيف يزرع و كيف يصنع الخبز و النبيذ، و تزوج أوزوريس من أخته إيزيس و تعاونا سوياً لنشر الحضارة فى البلاد.
و كان أوزوريس محبوباً لدى شعبه و أثار هذا الحب حقد أخيه "ست " الذى أخذ يُفكر فى التخلص من أخيه و الإستيلاء على عرشه، و إستطاع سِت التخلص من أوزوريس.
و بعد طول عناء إستطاعت إيزيس هذه الزوجة الوفية بمعونة بعض الآلهة و بسحرها إعادة أوزوريس إلى الحياة الأبدية و أصبح أوزوريس إلهاً بعد بعثه و عاد مرة أخرى إلى الأرض حيث قام بتعليم إبنه (حورس) و مساندته ضد عمه (ست) و إستطاع حورس فى النهاية التغلب على عمه و الإستيلاء على عرش أبيه.
و أصبح أوزوريس رمزاً لإله الخير بينما أصبح ست أو "سيتان" رمزا لإله الشر أو الشيطان، و انتشرت عبادة كلا الإلهين في الحضارة المصرية القديمة.
و الغريب أننا نجد أثرا كبيرا للتراث اللفرعوني الوثني خلال الفكر اليهودي، إذ أن التراث اليهودي يختزل هذه الأسماء الوثنية، بل و تنتشر عبادة الإله "ست" من خلال تعاليم الكابالا اليهودية.
فمن مظاهر ذلك التأثُّر بالتراث الفرعوني:
ـ تنبؤات المنجم الفرنسي اليهودي الأصل و المنشأ (ميشيل نوستراداموس) ـ المولود عام 1503م / 1566 م ـ و التي اشتهرت في القرن السادس عشر الميلادي و التي ضمّنها كتابه "القرون " و الذي عرِف فيما بعد بتنبؤات نوستراداموس، و نشر لأول مرة في عام 1555 ميلادية.
و لكن تلك التنبؤات كانت تتكئ على ارث فرعوني قديم انتقل عبر الكبسولة الزمنية اليهودية المسمَّاة بالكابالا، و كان ميشيل نوستراداموس قد أتقن على جده الحاخام اليهودي اللغات اللاتينية و الإغريقية و العبرية و أصول الرياضيات و الطب، و أهتم بصفة خاصة بالتنجيم، ثم درس الحضارة المصرية القديمة وكان على معرفة واسعة بتاريخها وبآلهة الفراعنة وعلوم السحر التي كانوا أشهر العارفين بها.
ولقد كتب نوستراداموس التنبؤات على شكل مقاطع شعرية من أربعة أبيات مبهمة المعاني ومليئة بمختلف المصطلحات من لغات متعددة مثل اللاتينية و البروفنسالية و الإيطالية وغيرها ... ولقد احتوى كتاب (القرون) على بعض التنبؤات من ستة أبيات شعرية و سماها (السداسيات) و أخرى سماها (الإنذارات).
و قد اعترف نوستراداموس بنفسه أنه لم يرفع عينيه عن كتاب قديم اسمه "أسرار مصر" وهذا الكتاب من تأليف يامبليخوس اليوناني، وقد ذكر أنه وجد في هذا الكتاب علماً لم يعرفه أحد، وأن كتاب "أسرار مصر" ليس إلا أسرار الكرة الأرضية وأنه يستطيع عن طريق هذا الكتاب أن يعرف ما الذي سوف يجري على الجبال وفي الأنهار وفي المدن وفي المعابد كلها!
¥