تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الرسالة الثالثة فقد عقد لها عنوان رسالة في الاعتقاد، وهي تقع في 35 ورقة، ذكر في مقدمتها أنه قد صنفها للتفصيل في الاعتقادات التي تحكم للمرء بالإيمان أو بالكفر، وقد تعرض للكفر والإيمان قبل الإسلام بذكر الديانات السماوية وذكر غيرها من الديانات التي أتى بها بشر وابتعدوا عن التوحيد، ثم تعرض بتفصيل أكثر لجميع الفرق الإسلامية، من داخل الشرع، وبين أخطاء كل فرقة من هذه الفرق، بأدلة مستنبطة من كتاب الله، ثم انتصر بوضوح لآراء أهل السنة والجماعة.

نحاول بعد هذا الوصف الموجز لآثاره الراغب في العقيدة أن نقف على موقفه من الفرق وعلماء الكلام. فقد ذكر البيهقي، الذي كان أول من ذكره، "أنه من حكماء الإسلام" [9] أي أنه من رجال الفكر الإسلامي الذين رسخت لديهم أصول هذا الفكر الديني، وأضاف البيهقي "وكان حظه من المعقولات أكثر" [10] أي أن الرجل كان يصغي لصوت العقل في تثبيت أركان الإيمان إضافة إلى ما يستخدم من أدلة نقلية فيه، وفيها إشارة إلى غلبة الجانب العقلي في الدراسات الدينية.

ثم إننا نجد النص التالي لدى جلال الدين السيوطي "وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي (794) .... ذكر الإمام فخر الدين الرازي (606) .... أن أبا القاسم من أئمة السنة .... " وهو قول لا نستطيع إلا أن نحترمه، ثم يضيف السيوطي: "وهي فائدة حسنة، فإن كثيرا من الناس يظنونه معتزلي [11] ". أفهل يكون هذا التعليق ردا على ما ورد في حديث البيهقي من تغليب الجانب العقلي لدى الراغب؟ ربما كان كذلك ولكنه لا يكفي في إصدار حكم.

وترد إشارة ثالثة في هذا الصدد، فيقول الخوانساري في ((روضات الجنان) وهو من مصنفي الشيعة: "إن الراغب كان من الشافعية" وهذا حكم واضح أما سببه فـ"كما أستفيد لنا من فقه محاضراته" [12] ويعني مناقشة الأمور الفقهية في كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المعروف للراغب. غير أن هذا المصنف لا يلبث أن يورد حكما آخر غير مطمئن إليه فيقول عن الراغب: "وفي بعض الكتب أنه اختلف في تشيعه" ولعل هذا المصنف قد كان يتوخى الموضوعية فلم يفد من هذا الاختلاف فيحاول أن ينسب للراغب اتجاه التشيع.

ومع ذلك كله فإن هذه الأقوال تظل بحاجة إلى براهين أقوى لتوضيح هوية الراغب الفكرية بين الفرق. وهذه قد لا تتأتى إلا من آثار الراغب نفسه.

الفرق غير الناجية:

إن الأمر سيطول لو أشرنا إلى كل رأي رآه الراغب في أشهر الفرق التي عاصرها من مرجئة وقدرية ومعتزلة وخوارج وشيعة، فكثيرا ما كان يعلق على مفردات آرائهم ومواقفهم بآراء ومواقف تلتقي، إذا ما قورنت، بآراء أهل السنة والجماعة [13] ولكننا نكتفي، لضيق المجال، بنصوص محددة يرد فيها على هذه الفرق بوضوح لا يدع مجالا للنقاش. إنه يقول: "الفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنين والسبعين سبعة [14] المشبهة ونفاه الصفات والقدرية والمرجئة والخوارج و المخلوقية والمتشيعة ..... " ولا يخفى ما في كلمة ((المبتدعة)) من إدانة واتهام بالابتداع وهو الاختلاق والإتيان بالبدع، كما لا يخفى إشارته للفرق الاثنتين والسبعين من حديث الرسول الكريم المشهور بتعدد الفرق وأن واحدة منها فقط هي التي على صواب الجادة. أما لفظ المتشيعة فهي أيضا واضحة الاتهام بالتكلف والتصنع. وبعد ماعدا هذه الفرق وسلكها في تهمة الابتداع بين السبب الذي وقعت كل من هذه الفرق في الخطأ وفي البدعة ..... فالمشبهة ضلت في ذات الله ونفاه الصفات ضلت في صفات الله والقدرية في أفعاله والخوارج في الوعيد والمرجئة في الإيمان والمخلوقية في القرآن والمتشيعة في الإمامة" [15].

الفرقة الناجية:

ولكي نختصر الطريق أيضا، طريق الوصول إلى ما استقر عليه الراغب، بعد تخطيئته لهذه الفرق جميعا نعرض النص التالي من المخطوطة نفسها: "والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة، فمعلوم أن الله تعالى رضي عنهم حيث قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ومعلوم أنه لم يرض عنهم إلا بعد صحة اعتقادهم وصدق مقالهم وصلاح أفعالهم" [16].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير