تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يتبين لنا من هذا النص أن صاحب المفردات لا يرى في غير أهل السنة والجماعة صلاحا والتزاما بما عليه صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهاهنا يصح أن نتساءل إذن، عن أسباب ما قيل من أن فريقا من الناس كانوا يعتقدون بأنه معتزلي، وما قيل مرة أخرى من أنه قد اختلف في تشيعه.

هل هو معتزلي:

أما عن الأولى فربما كان سببها ما تردد من أن الراغب من الحكماء في الإسلام، والحكمة قد تقترن في نظر بعض الناس بالفلسفة، وليست مواقف الناس منها في عصر الإسلام جميعها تنبئ بالرضا [17]، أما قول القائل: "إن حظ الراغب من المعقولان أكثر" [18] فربما وجدنا تفسيرا له في أنه يعتبر الوحي هو السبيل الأول للإيمان بالله ثم يعتبر العقل السبيل الثاني، وهكذا حتى يأتلف منهما الإيمان الكامل" إنه يقول: "العقل قائد والدين مسدد ولو لم يكن العقل لم يكن الدين باقيا، ولو لم يكن الدين لأصبح العقل حائرا واجتماعهما كما قال تعالى: "نور على نور" [19]. وفي مكان آخر يقول: "العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده" [20]. وفي ثالث يقول: "إن العقل بنفسه قليل الغناء " [21] أي إنه لا يكفي لهداية البشرية. وقد مر بنا رأيه الصريح في تخطيء المعتزلة حينما سماهم المخلوقية.

هل هو متشيع؟

أما الثانية فلعل مردها إلى ما يبدي من تعاطف في ذكر ألقاب الخليفة الراشدي الرابع وذكر أسرته وأبنائه. لقد كثر دعاؤه له برضى الله عنه وكثر تسميته له بأمير المؤمنين وكذلك أبناؤه وأهل بيته. ولم يبد مثل هذا التعاطف عند ذكر سائر الخلفاء الراشدين. ولأول وهلة يخطر في بال القارئ اتهامه بالتشيع. ولكن هذا الاتهام لا يثبت أن يتزلزل إذا ما ذكرنا النص السابق الذي يضع الشيعة أو المتشيعة على حد قوله، في الفرق غير الناجية، ولزيادة التأكيد نضع للراغب، في هذا الصدد، نصا آخر يقول: "مما يجب أن يكون عليه كافة أهل السنة من الأصول الواجبة على كل مسلم .... أن يعتقد في الإمامة أن الله وعد المؤمنين أن يجعل منهم خلقا مخصوصين، وعد الله تعالى بها بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، وذلك يقتضي أن كل من تولى أمر المسلمين بعد، كان خليفة .... فيجب أن يقطع بصحة من تولاها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويفوض أمورهم إلى الله تعالى، ويصحح أحكامهم وعقولهم ويوجب إظهارها عنهم لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يخص (أي لم يخص أحدا دون غيره بالملك) وقوله عليه السلام: "اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي مجدع" [22]. (يريد أنه علينا أن نمتثل لما قال الله تعالى في تلك الآية الكريمة والرسول عليه السلام، في هذا الحديث).

وبإزاء نفي التشيع عن الراغب فإننا لا نستطيع أن ننفي من قلبه حب آل البيت، وهو فيما يبدو مقيم على حبهم من جهة الوجدان، ولكنه لا يلتقي مع ما يقول الشيعة في الإمامة والوصايا وغيرها. وهذا أمر لا يستحيل حدوثه، فلقد كان الكميت بن زيد الشاعر شاعر الهاشميين في حب آل البيت لكنه لم يقل بما يقولون في الإمامة، و ها نحن أولاء نرى الناس في أقطار عربية وإسلامية يتعلقون بالحسن والحسين والسيدة زينب دون أن يدينوا بأقوال الشيعة في الإمامة.

هذا كله فيما يتصل بموقف الراغب من الفرق السياسية كالشيعة والدينية الفكرية كالمرجئة والمعتزلة. إما فيما يتصل بأثر الراغب في الفكر الديني فإننا لا نكاد نجد له ذكرا في فكر من نغلب أنهما كانا معاصريه، ونعني بهما ابن مسكويه (421) وأبي حيان التوحيدي (428). وقد ذكر هو الأول أكثر من مرة. لكننا نكرر هنا ما كثر قوله من أن أبا حامد الغزالي كان يستحسن كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب ويستصحبه لنفاسته [23]. وهو أمر ربما استطعنا فيه الإشارة إلى بعض الأمثلة مما تأثره حجة الإسلام من هذا الكتاب.

بينه وبين الغزالي:

فبعد أن يقسم الغزالي العلوم العقلية إلى ضرورية لا يدري من أين حصلت، ومكتسبة وهي المستفادة بالتعلم والاستدلال (ويسميها الراغب غريزية ومستفادة)، بعد هذا يورد الأبيات الشعرية التالية لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

العقل عقلان مطبوع ومسموع [24]

فلا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير