أن يقال غاية الكمال في العلو أن لا يكون فوق العالي شيء موجود، والله موصوف وما ذكرته من الخلاء إذا قدر أنه لا بد منه لم يقدح ذلك في علوه الذي يستحقه، كما أنه سبحانه موصوف على كل شيء قدير والممتنع بنفسه الذي ليس بشيء ولا يدخل في العموم لا يكون عدم دخوله نقص في قدرته الشاملة.
وكذلك هو سبحانه بكل شيء عليم فيعلم الأشياء على ما هي عليه فما لم يكن موجودا لا يعلمه موجودا كما قال تعالى {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] ولا يكون نفي هذا العلم نقصا بل هو من تمام كماله لأنه يقتضي أن يعلم الأشياء على ما هو عليه ونظائر هذا كثيرة ".
ثم ذكر الوجه الثالث، وهو جواب على قول من لم يثبت الحد، وهو الفرض الأول الذي ذكره الرازي بقوله: " إن لم يكن لامتداده - تعالى - في جهة العلو نهاية فكل نقطة فوقها أخرى فلا شيء يفرض فيه إلا وهو سافل " ولا فائدة من ذكره هنا.
ملاحظة:
تأويل الموضع المشكل من حديث أبي رزين - إن صح الحديث - وهو قوله: " ما فوقه هواء وما تحته هواء " بأحد التأويلات التي ذكرها الأخ أبو حازم ليس من التأويل المذموم في شيء:
أولاً: لأن هذا من باب الجمع بين الأحاديث؛ أي بين هذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: " وأنت الظاهر ليس فوقك شيء ".
قال شيخ الإسلام: " " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا لَا نَذُمُّ كُلَّ مَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا مِمَّا فِيهِ كِفَايَةٌ وَإِنَّمَا نَذُمُّ تَحْرِيفَ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوْلَ فِي الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ.
وَيَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُفَسَّرَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ بِظَاهِرِ الْأُخْرَى وَيُصْرَفَ الْكَلَامُ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ سُمِّيَ تَأْوِيلًا وَصَرْفًا عَنْ الظَّاهِرِ فَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ؛ لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ بِالرَّأْيِ، وَالْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ صَرْفُ الْقُرْآنِ عَنْ فَحْوَاهُ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالسَّابِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِلْإِمَامِ أَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِسَالَةٌ فِي هَذَا النَّوْعِ وَهُوَ ذِكْرُ الْآيَاتِ الَّتِي يُقَالُ: بَيْنَهَا مُعَارَضَةٌ وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ أَوْ حَمْلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْمَجَازِ ".
ثانياً: من السلف من فسر الحديث بما يصرفه عما قد يفهم منه من أن فوق الله شيء كما نقل الترمذي عن يزيد بن هارون، وأهل التأويل الباطل ليس لهم سلف في تأويلاتهم.
ثالثاً: هذا الحديث دليل على إثبات العلو والفوقية وبهذا يحتج من يحتج به من العلماء.
أما المسلك الذي سلكه الأخ نضال مشهود وهو أن الهواء عدم وليس بشيء، فهذا صحيح لكن ما ليس بشيء لا يصح أن يقال أنه فوق الله تعالى، لذا وجب تأويل الحديث.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[20 - 07 - 09, 03:46 ص]ـ
أما المسلك الذي سلكه الأخ نضال مشهود وهو أن الهواء عدم وليس بشيء، فهذا صحيح لكن ما ليس بشيء لا يصح أن يقال أنه فوق الله تعالى، لذا وجب تأويل الحديث.
جزاكم الله خيرا.
سبق أن قلنا إن على هذا التفسير يعود الضمير فيه على (العماء) لا على (الله)،
فالمعني: ليس فوق العماء شيء - من المخلوقات غيره - ولا تحته شيء.
وذلك أن خلق (العرش) متأخر عن خلق (العماء)، وهو خلق فوقه.
وقبل ذلك: لا شيء من المخلوق فوق العماء - إلا الهوء (أي: العدم أو الفراغ).
والله أعلم.