ثم ينقل عن جمع الجوامع للسبكي أن التأويل: " هو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح؛ فإن حمل لدليل فصحيح أو لما يظن دليلا ففاسد أو لا لشيء فلعب لا تأويل.
وعن ابن الجوزي – وهو من الحنابلة – أن التأويل نقل الكلام عن موضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.
وبذلك يصبح للتأويل ثلاثة معان: المعنيان السابق ذكرهما , والثالث هو: نقل ظاهر اللفظ إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل أو بمعنى آخر صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله اللفظ.
وهذا المعنى الثالث لم يرد في المعاجم المتقدمة , وإنما ورد في لسان العرب وتاج العروس , وكلاهما من نتاج العصور المتأخرة عن عصر الرواية والاستشهاد والاحتجاج.
ثم قال بعد ذلك
:" إن استعمال التأويل بهذا المعنى كما يبدو لي نشأ تحت ظروف عقائدية خاصة وأخذ ينمو هذا الاستعمال تحت أعين حارسة عليه تحوطه وترعاه بعنايتها حتى كتب له الذيوع والانتشار.
ولو ألقينا نظرة فاحصة في تاريخ الفرق السياسية والكلامية, وخاصة في ظروف نشأة الشيعة والباطنية أقول لو تأملنا ظروف نشأة هذه الفرق فربما وجدنا بداية الطريق.
وإذا ألقينا نظرة على معتقدات هذه الفرق , وخاصة على ما أسموه بعلم الظاهر والباطن وما وضعوه من مصنفات حول هذا العلم فقد نجد ما يقوي هذا الافتراض
وإذا علمنا أن هناك أثرا تردد كثيرا في كتب الشيعة وهو" أن لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل " أن نكون بذلك قد وضعنا يدنا على بداية الطريق.
لقد تردد الأثر المذكور في كثير من المصنفات الإسماعيلية وخاصة في كتب القاضي الفاطمي " النعمان بن حيون التميمي " مثل أساس التأويل " و" تأويل الدعائم".
وتردد أيضا في كتب المتصوفة فنجده عند الغزالي في الإحياء والمشكاة مرفوعا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعند الشيعة مرفوعا إلى الإمام جعفر الصادق.
ولو وضعنا الأثر أمام أعيننا ووضعنا بجانبه التعريف الاصطلاحي للتأويل لوجدنا الشبه واضحا , والعلاقة قوية بين التأويل بمعناه الاصطلاحي وبين الأثر المتردد على ألسنة الشيعة والصوفية السابق ذكره.
فهنا ظاهر وباطن وتنزيل وتأويل.
وفي التأويل الاصطلاحي ظاهر غير مراد وباطن مراد يجب البحث عنه فالقول بالباطن هو الأساس الذي وضع لأجله تعريف التأويل بهذا المعنى.
ومن هنا استطاع الباطنية أن يستغلوا التأويل بهذا المعنى أسوأ استغلال مستندين في ذلك إلى الأثر المذكور (لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل)
ووضعوا قواعد عقائدهم تحت ستار علم الباطن بعيدا عن أعين الظاهر المصروف عنه اللفظ.
وإذا كنت لا أملك الآن أدلة حاسمة تؤكد لي هذا الافتراض أو تحدد الفترة التاريخية التي بدأ استعمال التأويل فيها بهذا المعنى إلا أنه لا ريب في أن النصيب الأكبر في ذلك يرجع إلى الدور الذي قام به أصحاب الاتجاه الباطني من الصوفية والشيعة؛ يشاركهم في هذا كثير من الفرق الذين نادوا بفكرة الإمام المعصوم الذي يؤتى من لدنه تأويل التنزيل؛ فلقد ساهم هؤلاء جميعا في شيوع استعمال التأويل بهذا المعنى.
"الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل" ص (48)
وأظن لو تتبع طالب العلم هذه المسألة لوجد ملامح كثيرة في بيان ترابط تأويل الباطنية للنصوص بتأويل المتكلمين لصفات الله.