تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقف الإسلام موقفاً وسطياً بين تطرف الكنيسة التاريخي حيال الحرية، وانفلات بعض فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فالإسلام، وكذلك جميع الرسالات السابقة، جاءت لتحقيق هدف أصيل؛ وهو توحيد الله بالعبادة، التي من أجلها خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، إذ لا يستقيم عقلاً، ولا فطرةً أن يخلق الله الخلق، وينعم عليهم، ثم يعبدوا غيره!! ومن ثم فإن أكبر جريمة ترتكب، وأبشع ظلم يقترف، هو الشرك بالله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: من الآية13).

إن الأنظمة المدنية للدولة الحديثة تمنع جميع صور التعدي الحسي والمعنوي على الآخرين، وإن القانون المطبق يعاقب على جرائم؛ كالتزوير، والكذب، والسرقة، والجاسوسية، والقتل .. الخ، فكيف يسوغ أن يهمل أعظم الحقوق، وهو حق الله، دون عقاب رادع؟!

إن الإيمان بالله، وتوحيده بالعبادة، في نظر الإسلام، قضية فطرية لا يحيد عنها إلا متنكر لفطرته، خارج عن إنسانيته، خائن لجماعته البشرية، مرتكب لجريمة تستحق إيقاع العقوبة القصوى، ما لم يرجع إلى صوابه. ومن ثم كان من مهمة أتباع الأنبياء دعوة الناس جميعاً إلى الإيمان بالله وتوحيده، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وهذا يتحقق بإحدى صورتين:

إحداهما: أن يقبل المدعو الحق، وينخرط في الجماعة المؤمنة، فله مالها، وعليه ما عليها. الثانية: أن يعلن الإذعان للجماعة المؤمنة، المتمثلة بصورة دولة ذات سيادة وسلطان، مع احتفاظه بمعتقداته، وشعائره السابقة، وفق ما تقره تلك الدولة من تنظيمات، وما تمنحه له من حقوق، وما تفرض عليه من واجبات، تماماً كما تفعل كثير من الدول المتقدمة الآن،حين تسن أنظمة وقوانين تتعلق بالمهاجرين واللاجئين، المقيمين على أراضيها، تجعلهم في مرتبة أدنى من مواطنيها الأصليين. والفرق بين الصورتين أن الدولة العلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز على أسس أرضية، والدولة الإسلامية تفعل ذلك بناءً على أسس موضوعية، دون تمييز على أساس الأرض، أواللون، أوالعرق.

وعلى ضوء ما مضى يتبين المراد بقول الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ) (البقرة: من الآية256) أي لا تكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية، لمن كان صادقاً مخلصاً في البحث عن الحقيقة، وأما من دخله مكرهاً فإنه لا يستفيد من اعتناقه، ولا يتخلص به من الغي. وحينئذ، فعليه أن يذعن لنظام الإسلام، إن كان له دولة وسلطان. وليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في التدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام.

وأما قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: من الآية29) فليست للتخيير المجرد، كما قد يفهمه بعض الناس! وإنما جاءت في سياق التهديد والوعيد لمن شاء أن يكفر، ولهذا ختمها بقوله: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف: من الآية29).

وبناءً على ما تقدم، فإن قتل المرتد عقوبة على جريمة كبيرة، أشد في نظر الإسلام من جريمة (الخيانة العظمى) التي تعاقب عليها الدول بالقتل، جراء إفشاء أسرار الدولة، أو التعاون مع عدو خارجي، أو السعي لقلب نظام الحكم، أو ما دون ذلك مما تسنه بعض النظم الوضعية. فالردة كفر مضاعف، والكافر المرتد أعظم جرماً من الكافر الأصلي، لأنه خان خيانة عظمى، ووقع في ظلم عظيم.

المسألة الثانية: أهل الذمة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير