تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أهل الذمة) هم غير المسلمين، من اليهود والنصارى وغيرهم، القاطنون في البلاد الداخلة تحت الحكم الإسلامي، الذين أبوا أن يعتنقوا الإسلام، وفي نفس الوقت كفُّوا أيديهم عن قتال المسلمين، ورضوا أن يبذلوا الجزية، فاستحقوا بذلك ذمة المسلمين، أي عهدهم وأمانتهم، بالكف عنهم، وحمايتهم، وتمكينهم من مزاولة شعائرهم، وطقوسهم الدينية، والاجتماعية، والتجارية، بما لا يتصادم والنظام العام للدولة الإسلامية. وهذا التعبير يوحي، بالدرجة الأولى، بضرورة الوفاء بحقهم، وحفظ عهدهم، ولا يدل، بلفظه، على أي لون من ألوان التنابز بالألقاب، كما يدل، مثلاً، لفظ: (الموريسيكيون) أي: (العرب الأصاغر)، الذي أطلقه النصارى على مسلمي الأندلس.

إن التعبير الإسلامي المحبذ هو (العدل) وليس (المساواة). فالعدل هو المساواة بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات. أما التسوية بين المختلفات فضرب من الظلم. وتلك قضية بدهية، مجمع على العمل بها؛ كتقديم الأكفأ، وتفضيل الأولى، في جميع المجتمعات. ولم يقل أحد من علماء المسلمين أن المسلم وغير المسلم سواء، وإلا لانتقض بناء الدين كله بإلغاء الميزة العظمى، وهي الإيمان. بل العكس هو الصحيح؛ فالمؤمن من الناحية الاعتبارية في أحسن تقويم، والكافر في أسفل سافلين. والمجتمعات العلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز وفق معايير أقل أهمية من قضية الإيمان والكفر. وبالتالي فلم يقل الإسلام أبداً بالمساواة المطلقة بين المواطنين، وإنما قرر المساواة في الحكم بين الناس وأداء الحقوق إلى أهلها، مهما كان جنسه، ودينه.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم، عن أهل الكتاب: (وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فليس معناه أن تزحموهم إلى جانب الحائط، فتؤذوهم، كما قد يفهم بعض الناس! بل المقصود أن تكون أفضلية العبور، والتقدم، للمسلم.

وغير خافٍ أن المجتمعات الغربية الحديثة، ناهيك عن السالفة، تعج بألوان من صور التمييز، على المستويين: الرسمي، والشعبي، حتى وإن بدت القوانين تمنع ذلك. وقد أسفرت الممارسات التعسفية في الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوربية، ضد مسلمين أبرياء عن صورة بشعة من صور الظلم والتمييز، والأخذ بالظنة، بينما يعيش أجيال من النصارى بين ظهراني المسلمين، لعدة قرون، آمنين، مطمئنين، لا يتعرضون لأدنى أذى، شاهداً على العدالة الإسلامية، الرسمية، والشعبية، تجاه أهل ذمتهم.

المسألة الثالثة: المرأة:

تتمتع المرأة في الإسلام بأحكام عادلة؛ تحفظ الحقوق، وتراعي الفروق. فهي في أصل العبودية لله تعالى، كالرجل؛ مأمورة بطاعة الله، موعودة بثوابه، منهية عن معصية الله، متوعدة بعقابه. ولكن الفروق البدنية والنفسية بين الجنسين لابد أن تنعكس على بعض التشريعات الخاصة بكل منهما، بما يوافق الطبيعة البشرية. وهذا هو العدل. واعتبار الذكر كالأنثى في كل شيء لا يقول به منصف، فلكل وظيفته المميزة، وطاقته الخاصة، وبالتالي: لكل أحكامه اللائقة به. ولهذا تمارس الدول الحديثة نوعاً من التمييز في الوظائف والأعمال، ثم في الأجور، بين الجنسين.

وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، لكون المرأة من النواحي النفسية، والانفعالية، والإدراكية، دون الرجل. فشهادتها تتأثر تأثراً بيناً بعاطفتها، وضبطها للمواقف أقل من ضبط الرجل، ولهذا قال الله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) فلم يلغ شهادة المرأة، وإنما دعمها بشهادة أختها. وحينئذ، فقول القائل: لماذا كانت شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؟ كقوله: لماذا تلد المرأة، وتحيض، ولا يلد الرجل , ولا يحيض؟

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء (ناقصات عقل ودين) فقد تولى بنفسه، صلى الله عليه وسلم، بيانه، لما سألته امرأة عن ذلك، فقال: (أما نقصان العقل، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين) رواه مسلم. فتبين بذلك أن ليس المقصود،كما يفهم بعض المتعجلين، وصم المرأة بالجنون، أو الفسق، بل حكاية صفات خِلقية، لا تلام عليها، ولا تذم بها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير