تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن تحقيق العبودية لله في الإسلام يكون بالإيمان بالكتاب كله، وعدم تجزئة الدين بالإيمان ببعض الكتاب، والكفر ببعض، قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: من الآية85). وبالتالي فإن قضية الحدود والتعزيرات ليست محلاً للبحث والنقاش، ابتداءً؛ إذ هي جزءُ من الإيمان بحكمة الخالق، وعلمه بمن خلق، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).

إن حقوق الإنسان لا تصان على حساب أخيه الإنسان، وإنما تصان بإحدى طريقتين: إما بوازع الإيمان، وإما برادع السلطان. وقد أثبتت التجارب البشرية والقوانين الوضعية، المنفلتة عن هدى الله عجزاً، وقصورا عن حفظ كرامة الإنسان، وحمايته من الفساد والإفساد، كم تنطق بذلك إحصاءات معدلات الجريمة في الدول المتقدمة، فضلاً عن المتخلفة.

إن الإسلام لا يبيح للإنسان أن يظلم نفسه، فضلاً عن غيره، بأي نوع من أنواع التصرفات الخاطئة، سواءً ما تعلق بالدين، كالردة، أو النفس، كالانتحار، أو المال، كالتبذير، أو العقل، كشرب المسكر، أو العرض، كالزنا. وهي الضرورات الخمس التي تدور عليها مقاصد الشريعة. ولا صحة إطلاقاً لتعليق ذلك بالاختيار الشخصي، أو التراضي بين طرفين، فضلاً عن نسبته إلى مذهب من المذاهب الإسلامية.

المسألة الحادية عشرة: المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية:

من البدهي أن يسعى المسلم إلى تمثل دينه، وتطبيق إيمانه، في نفسه، وأسرته، ومجتمعه، ثم في بلده. ومن العجب أن تُحمل المجتمعات الإسلامية على تنحية شريعتها مراعاة لأقلية غير مسلمة، على حساب الأكثرية المسلمة!! إن بناء الديموقراطيات الحديثة يقوم على إنفاذ رغبة الأكثرية، حتى ولو ظل جزءُ من المجتمع رافضاً. فكيف يستنكر على المسلمين في بلادهم أن يمتثلوا أمر ربهم، ويحكموا شريعته، لأجل نفر من دونهم، قد حفظت الشريعة حقوقهم الخاصة، ورتبت لهم ما يليق بهم، ويحمي مصالحهم المدنية، ما داموا ملتزمين بالنظام الإسلامي العام؟! إن لكل دولة اتخاذ الترتيبات الملائمة لها، دون ظلم أو حيف. ونحن نشهد في السنوات الراهنة لدى الدول الغربية من الممارسات المتعسفة في حق المهاجرين، والأقليات العرقية، والمجموعات الدينية، ما ينافي ما يدعونه من مراعاة حقوق الإنسان. ولا أدل على ذلك مما لحق المسلمين، أفراداً، وهيئات، في الولايات المتحدة، وأوربا، من اضطهاد ومعاناة، وأخذٍ بجريرة غيرهم.

المسألة الثانية عشرة: معنى قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) (المائدة: من الآية82).

تشكل هذه الآية على بعض الناس، حين تجبههم النصوص الأخرى الدالة على ذم النصارى، وتكفيرهم، وتضليلهم، وتحريم موالاتهم، وهي كثيرة في القرءان والسنة. وسر هذا الإشكال أنهم يظنون أنها تؤسس لعلاقة مودة دائمة بين المسلمين، والنصارى المصرين على نصرانيتهم، الرافضين للدخول في الإسلام. وحقيقة الأمر أن الآية المذكورة تشير إلى أن أقرب أتباع الملل قبولاً للحق، واعتناقاً للإسلام، هم النصارى، على وجه الجملة، لما يتمتعون به من صفات نوعية تؤهلهم لقبول الحق ممن جاء به، دون كبر، أو تعصب. وهذا ما تفيده بشكل جلي تتمة الآية الكريمة والآيتان بعدها، حيث يقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (المائدة:82 - 84). فجمعوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير