ويبدو أن هذه الخطوة الأخيرة أدت إلى ارتباك المسيري أو ادعائه الارتباك في تحديد موقف أركون من الدين إذ يقول: "ببدو أن محمد أركون قد نسي الهدف الأساسي من برنامجه الإصلاحي! وهو إتاحة إمكانية وجود روحانية جديدة .. إذ إنه بدلاً من ذلك يحدد الهدف من برنامجه بأنه "دراسة بنية العقل الديني وطريقة اشتغاله ووظائفه. ولا تهم مضامين العقائد والمذاهب بحد ذاتها". وكأن المسيري قد صدق بالفعل أن علمانية أركون تسمح بإمكانية وجود روحانية جديدة كما يدعي؟ يالبراءة المسيري!
ولهذه البراءة العجيبة وضع الرجل في خانة المترددين بين العلمانية الجزئية والشاملة.
والمسألة ببساطة هي أن أركون ما فعل سوى ما اعتاد فعله العلمانيون العرب؛ وهو التهويم باقتصار الرؤية العلمانية على المسائل السياسية والواقعية فقط دون التدخل في العقائد، ولكن عندما يتعلق الأمر بالخطوات العملية فلا مناص من القفز إلى قلب هذه العقائد والإطاحة بها تماماً. لكن المسيري لا يقول إنه يفهم هذا، ومن ثم يزعم أنه أصيب بالارتباك من موقف الرجل.
إن المسيري بعد أن ناقش التعريفات السابقة والكثير غيرها للعلمانيين العرب يعلق على ذلك فيقول: "معظم التعريفات أهملت قضية المرجعية النهائية للمصطلح (والمفهوم) [وهل تحتاج العلمانية إلى مرجعية نهائية غير نفسها؟!] ومن ثم لم يتم التمييز بين الدائرتين: الصغيرة الجزئية والكبيرة الشاملة".
وإهمال تعريفات العلمانيين العرب للتمييز بين الدائرتين ليس عيباً فيها، وإنما العيب في فكر المسيري الذي توهم وجود مثل هاتين الدائرتين، ثم جعل من هذا الوهم محكاً للحكم على هذه التعريفات. بل إن اعتراف المسيري نفسه بإهمال هذه التعريفات لذلك التمييز يُظهر مدى ما بذله من تكلف من الاستخراج المصطنع لوجود مثل هاتين الدائرتين في تلك التعريفات. إن قلة قليلة من العلمانيين العرب (وهذا أمر طبيعي تماماً نظراً للتشبث المجتمعي بالإسلام رغم كل العداءات) هي التي من الممكن أن تتبنى صرامة موقف العلمانية الحقيقي الإقصائي من الدين، ولكن الغالب الأعم منهم يبحث دائماً عن شكل ما من أشكال الاحتيال الفكري الذي لا يضعه في هذا التعارض الصريح مع الدين، ويكاد يتمثل الجانب الأكبر من تاريخ الفكر العلماني في العالم العربي في تلك الجهود المبذولة في اتخاذ مثل تلك الأشكال المختلفة من الاحتيال الفكري.
ولكن الدكتور عبدالوهاب المسيري يعطي بهذا الاختلاف المصطنع لما سمي بالعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة تسويغاً اجتماعياً (يحاول أن يضفي عليه مسحة من الإسلامية) لكل هذا الغالب الأعم. ولأن أصعب شيء على نفس هؤلاء العلمانيين هو التأكيد على تلك الحدود الفاصلة بين الإسلام والعلمانية، فإن ذلك يبرز خطورة تيار الوسطية بين الإسلام والعلمانية (والذي أعطاه المسيري بكتابه هذا زخماً كبيراً) والذي يُدفع للانتشار والهيمنة على الأجهزة الإعلامية من جهات عديدة، وتتمثل غاية ذلك التيار الأساسية التي تُبذل من أجلها كل جهوده في محو تلك الحدود الفاصلة بين الإسلام والعلمانية! ". انتهى كلام الدكتور محمد مبروك – وفقه الله -.
تعليق
1 - قول الأستاذ مبروك الأخير: " إن ذلك يبرز خطورة تيار الوسطية بين الإسلام والعلمانية (والذي أعطاه المسيري بكتابه هذا زخماً كبيراً) والذي يُدفع للانتشار والهيمنة على الأجهزة الإعلامية من جهات عديدة، وتتمثل غاية ذلك التيار الأساسية التي تُبذل من أجلها كل جهوده في محو تلك الحدود الفاصلة بين الإسلام والعلمانية "، يجد القارئ مصداقه في هذا الرابط:
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/saaid.net/Warathah/Alkharashy/22.htm
2- ذكر الأستاذ بعض الأسماء: هويدي - الغنوشي - فؤاد زكريا - أركون - حسين أمين - عمارة .. تجد التفصيل عنهم على هذه الروابط:
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/saaid.net/Warathah/Alkharashy/n.htm
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/www.alkashf.net/vb/forumdisplay.php?f=8
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/saaid.net/Warathah/Alkharashy/3.zip
3- ذكر الأستاذ شبهتهم في الاستدلال بحديث: " أنتم أعلم بأمور دينكم ". تجد ردها على هذا الرابط:
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/www.alkashf.net/shobhat/5/
و هذا:
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/www.alkashf.net/shobhat/11/
. والله الموفق ..
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[23 - 09 - 07, 08:21 م]ـ
عفواً شيخنا الفاضل / سليمان الخراشي ..
لم أطلع على ماكتبتَ .. ولي عودة ـ إن شاء الله ـ ..
لكن؛ هل التفريق منه للعلمانية الكلية والجزئية تقتضي أن يكون علمانياً؟ ..
وجزاك الله خيراً ..
لأنني أرى بعض المنتسبين للعلم من أساتذة العقيدة في جامعاتنا يسميه (الأستاذ الكبير)!
أرجو التوضيح.
¥