تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الأمثلة الأخرى التي يتخذها المسيري للمفكرين فأشد غرابة؛ لأن نموذج حسين أحمد أمين نموذج معروف بالعلمانية الملتوية التي تحاول أن تتخذ ستاراً إسلامياً، لكن ما بالكم بالدكتور فؤاد زكريا ذلك المفكر المادي المعروف والذي قد تمثل صراحته الفكرية أهم مميزات فكره؟! فيذكر المسيري أن الدكتور فؤاد زكريا يصف العلمانية بأنها "الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة" ويوضح فؤاد زكريا موفقه بقوله: "إن ما تريده العلمانية إن هو إلا إبعاد الدين عن ميدان التنظيم السياسي للمجتمع والإبقاء على هذا الميدان بشرياً بحتاً تتصارع فيه جماعات لا يمكن لواحدة منها أن تزعم أنها هي الناطقة بلسان السماء. فأساس المفاضلة بين المواقف المختلفة يجب أن يكون العقل والمنطق والمقدرة على الإتيان بالحلول الواقعية الناجحة "! ويذكر المسيري للدكتور زكريا أيضاً قوله: "إن العلماني المتحمس يرفض توجيه التنظيم السياسي للمجتمع توجيهاً يرتكز على سلطة الدين، ولكنه في الوقت ذاته يتزوج بوثيقة شرعية إسلامية "! ثم يتساءل المسيري -بفيض من البراءة المصطنعة! - هذا السؤال العجيب: هل يمكن الحديث عن فؤاد زكريا بعد هذا باعتباره علمانياً شاملاً؟!! ولا أدري هل ينتظر المسيري أن يرفض الدكتور فؤاد زكريا الزواج بوثيقة شرعية إسلامية وهو يعيش بين أكناف مجتمع مسلم له ضغوطه الخاصة حتى يقبل الحديث عنه باعتباره علمانياً شمولياً؟!! ثم ما الذي يهمنا هنا في هذا المثال (مثال الدكتور فؤاد زكريا) في رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية في كونه علماني جزئي أو شامل في تحديد موقفه من الإسلام ولكن الدكتور المسيري بتلك الحيلة العجيبة (ادعاء أن العلمانية الجزئية يمكنها التوافق مع الإسلام ثم ادعاء أن الدكتور زكريا فؤاد علماني جزئي) أوجد له مخرجاً من تناقضه الفكري مع الإسلام.

ننتقل الآن إلى مثال آخر أكثر وضوحاً:

فمحمد أركون قدم تعريفاً للعلمانية يقترب للغاية من التعريف الذي قدمناه حيث تكاد تتطابق عنده العلمانية مع "العقلانية التي تشكل أساس الحضارة الغربية وتذهب إلى ضرورة سيادة العقل البشري القائم على التفحص والتجريب والقياس الرياضي الدقيق".

ثم يعود فيخص الغرب بهذه العلمانية العقلانية التي يصفها بالجامدة والصراعية مع الدين؛ لأن "مفكري أوروبا إذ يستمرون في العمل والتفكير داخل إطار الفكر المعلم كلياً ويستبعدون بشكل قطعي كل ما يخص البعد الديني من إنتاج المجتمعات البشرية فإنهم يجترجون عملاً تعسفياً لا منطقياً ولا عقلانياً.

حسناً. إذاً ما هي العلمانية التي يحبذها (المفكر الموضوعي الكبير!) محمد أركون؟ يتلخص ذلك بحسب ما يعرضه المسيري لموقفه في هذه الأسئلة التي يطرحها: "هل يحق للإنسان أن يعرف أسرار الكون والمجتمع أم لا يحق؟ هل نثق بعقله في استكشاف المجاهيل وقيادة التاريخ أم لا نثق؟ هل هو قادر بواسطة عقله -وعقله فقط- على فهم الأشياء واتخاذ القرار أم غير قادر؟

يقول أركون: إنه توجد إجابتان على هذه التساؤلات فالبعض يقول: إن الإنسان بحاجة إلى قوة خارجية (فوق طبيعية) لكي تسيره وتسير أموره. والبعض الآخر يقول: "لا. إن الإنسان قادر بحد ذاته على تسيير أموره وحل مشاكله وتشكيل الصيغ الأجمل والأفضل للحياة في المجتمع، وفي الحالة الأول نكون من أتباع الإنسية الدينية، وفي الحالة الثانية نكون من أتباع الإنسية الحديثة". وينادي أركون بما يسميه العلمانية المنفتحة التي تعمل على التوفيق بين الإجابتين حيث أن "هذه العلمنة الإيجابية تأخذ الإنسان في كليته المادية والروحية دون أن يؤثر بعد من أبعاده على حساب البعد الآخر". ولكن أركون عندما يتحدث مباشرة عن برنامجه العلمي الإصلاحي يقول: "كل ما أطلبه من أجل إدخال العلمنة الصحيحة في المجتمعات العربية والإسلامية هو إلغاء برامج التعليم السائدة، وإلغاء الطريقة اللاتاريخية والعقائدية التبشيرية لتعليم الدين في المدارس العامة وإحلال تاريخ الأديان والأنثربولوجيا الدينية محله"!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير