وقد سار على هذا المنهج القويم والمسلك المستقيم خلفاؤه من بعده y فقد أخرج ابن وضاح في «البدع» (ص41) من حديث الأعمش عن المعرور بن سويد قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله r، فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض (2) ( http://66.7.198.8/~ahl/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn2).
وفي رواية أخرى أخرجها ابن وضاح (ص41): أنه t عندما صلى الغداة رأى الناس يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله r هم يأتون يصلون فيه. فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها.
فقد أنكر أمير المؤمنين عمر t هذا الفعل وهو التبرك بالأماكن التي صلى فيها رسول الله r وبين أن بهذا الفعل هلكت الأمم السابقة.
وقد أمر عمر t بقطع (3) ( http://66.7.198.8/~ahl/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn3) الشجرة التي زُعم أن الرسول r بايع تحتها الناس، مع أن الله تعالى أنسى صحابة رسول الله r مكان هذه الشجرة التي بايعوا عندها رسول الله r رحمة بهم وبمن أتى من بعدهم.
فقد أخرج البخاري (2958) في «صحيحه» من حديث نافع عن ابن عمر قال: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله.
وأخرج البخاري (4163) ومسلم (1859) من حديث سعيد بن المسيب قال: قال: ثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله r تحت الشجرة. قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها. فقال سعيد: إن أصحاب محمد r لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم.
قال أبو الفضل ابن حجر في «الفتح» (6/ 118) تعليقاً على هذا الحديث: وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أُمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: «كانت رحمة من الله» أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة الله تعالى. اهـ.
قلت: ومع ما تقدم من كون الصحابة أنسوا مكانها ولم يعرفوه حتى جاء من بعدهم من زعم أنه يعرف مكانها كما وقع ذلك في عهد عمر t فعند إذن أمر عمر t بقطع هذه الشجرة التي يزعم أنها بويع تحتها رسول الله r، ثم بعد عهد عمر جاء من يزعم معرفته بهذه الشجرة، فقد أخرج البخاري (4163) في «صحيحه» من حديث طارق بن عبدالرحمن قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله r بيعة الرضوان.
قلت: وهذا بعد عهد عمر لأن طارق بن عبدالرحمن من صغار التابعين ومن كان مثله لم يدرك عهد عمر t ، وإنما ولدوا بعد عهد عمر t .
وقد سار السلف الصالح على هذا النهج، فقد كانوا لا يأتون إلى مثل هذه الأماكن، بل وينكرون على من فعلها.
قال أبو عبدالله بن وضاح القرطبي في كتابه «البدع» (ص43): وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي r ما عدا قبا وأحداً.
قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه، ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعد فعل سفيان.
قال ابن وضاح: فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة. اهـ.
¥