تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورغم أن شيخ الإسلام قد نبه إلى خطورة الإجمال حيث يجب التفصيل، إلا أن الكثيرين من المنبهرين بفكر ابن تيمية في الجملة -ولكن لهم قناعات مختلفة عن قناعاته- ربما يحاولون إثبات أن ابن تيمية كان موافقاً أو على الأقل مقارباً لهم في بعض أفكارهم تمسكاً ببعض أقوال ابن تيمية دون الرجوع إلى البعض الآخر، وعلى ذلك فلا يمكن لقارئ جيد لفكر ابن تيمية -لاسيما إن كان في وزن الدكتورة عمارة- أن يغيب عنه الخصومة الفكرية الشديدة بين ابن تيمية وبين المنهج المنسوب للإمام أبي الحسن الأشعري في مرحلته الوسيطة أثناء تصديه لتيار الاعتزال، مع أنه ينكر عليه التفاصيل التي صارت علماً على منهجه فيما بعد، وأن ثناءه المطلق عليه إنما كان على ما يراه هو -أي ابن تيمية وهو الثابت تاريخياً إن شاء الله- من أن أبا الحسن الأشعري رجع إلى مذهب أهل السنة فلا يمكن أن يستدل أحد بهذا الثناء المطلق، ويطلقه على المرحلة الوسيطة من حياة الإمام الأشعري.

ومثل ذلك يقال عن الغزالي الذي أثنى ابن تيمية على فقهه وعلى نقده للفلسفة، ولكنه عاب عليه قصر باعه في الحديث ووقوعه في شبهات المنطقيين وخرافات الصوفية، ولذلك فإننا نربأ بأي باحث أياً من كان من أنه إذا أعجب بشخصية تاريخية أن يحاول تغيير آراء هذه الشخصية قسراً لتتماشى مع آرائه هو، بل ينبغي أن يحافظ على الفصل بين إعجابه العام بالشخصية وبين اختلافه معها.

بالإضافة إلى أن الاختلاف مع الشخصيات العظام كابن تيمية غالباً ما يكون دافعاً إلى مزيد من البحث الذي قد يقود صاحبه إلى تغيير بعض قناعاته، ولذلك لم يحاول شيخ الإسلام - ولا أحد من دعاة السلفية بعده فيما نعلم- أن ينسب نفسه جملة وتفصيلاً لأبي حامد الغزالي، ولا أن يقدم للناس غزالياً آخر رغم أن السلفيين يملكون المسوغ الأدبي الذي يستطيعون معه نسبة الغزالي إليهم وهو موته في آخر عمره وصحيح البخاري على صدره، ودعوته إلى العودة إلى عقيدة السلف، ولكن ستبقى هذه دعوة مجملة، ويبقى التراث الغزير للغزالي عقلانياً حيناً، وصوفياً كشفياً حيناً آخر، وإن كان تراثه الفقهي والأصولي والسلوكي مع التحفظ المشار إليه آنفاً سيبقى محل انتفاع من السلفيين بعد تمريره على مرشَِّحات سلفية.

ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر فإننا ننبه هنا إلى أن البعض قد خطا خطوات أوسع من تلك الخطوات التي خطاها الدكتور محمد عمارة حينما طالب السلفيين بأن يتبعوا آثار إمامهم ابن تيمية في سعة صدره وفي قبوله للآخر هكذا دونما أن يبين لنا من ذلك الآخر، علماً بأنه ما من آخر -غير أهل السنة- إلا ولابن تيمية أو لأحد تلامذته رد مفحم عليه، جواباً صحيحاً أو صارماً مسلولاً أو صواعقاً مرسلة أو صارماً منكياً.

وأما النقطة الثانية، وهي تشمل أمرين:

الأول: المقارنة بين مشروع ابن تيمية ومشروع الغزالي ومشروع الأشعري -رحمهم الله تعالى-.

الثاني: إذا سلمنا بالتمايز بل التصادم بين مشروع ابن تيمية وبين المشروعات العقلانية، فيبقى السؤال هل استفاد ابن تيمية من هذه المشروعات أم لا؟

أما الأمر الأول فقد سبق في الملاحظة الأولى توضيح وجود تمايز بل تصادم في أبواب هامة من العقيدة، بيَّنها ابن تيمية بجلاء ووضوح في رسائله في العقيدة لاسيما في الأسماء والصفات، وفي مسائل الإيمان والكفر، وفي القدر، ولشيخ الإسلام في كل باب من هذه الأبواب رسائل مشهورة كالواسطية، والإيمان، أو القصيدة التائية، بالإضافة إلى فتاوى متفرقة وصف فيها منهج الأشعري بأنه لا يختلف عن مذهب جهم في الإيمان، ووصفه بأنه أحد فروع التجهم في الصفات، ووصفه بالجبر في القدر مع أدب جم من شيخ الإسلام مع شخص الأشعري لا مع منهجه لرجوع الأشعري إلى مذهب أهل السنة بعد ذلك رغم أن أصحابه لا يقرون بذلك.

وكذلك تحلى ابن تيمية بأدب جم مع أئمة المذهب الأشعري كالباقلاني والجويني والغزالي لمنزلتهم الفقهية، ولتصديهم للمعتزلة مع أن عباراته في تبديع المذهب الأشعري كانت واضحة لا خفاء فيها ولا لبس.

كما أن ردوده على طريقة تهذيب السلوك الصوفية مبثوثة في معظم كتبه وفتاويه عن الصوفية والفقراء وغيرهم، وبعضها كانت عن الغزالي وعن كتابه الإحياء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير