وهذا -يعني هذا التوقف- مضمونه الشك، ماذا تقول بقول الجهمية إن القرآن مخلوق؟ حدد موقفك؛ إن قلت إنه مخلوق فأنت صرت منهم. وإن قلت إنه غير مخلوق تحدد موقفك وأنك مخالف لهم، وإن توقفت معناه أنك شاك، يعني يحتمل أن قولهم صحيح، يحتمل أن مذهبهم صحيح ما دام أنه شك، إذا قلت إنه لا داعي معناه أن مذهبهم ليس بالباطل البيّن الذي يجب إنكاره؛ ولهذا قال إمام أهل السنة: إن الواقفة أخبث، وإنهم شر من الجهمية. فهم جهمية، الواقفة جهمية.
ولهذا قال الناظم: ولا تك في القرآن بالوقف قائلا
......................
لا تقل بهذا الوقف، "كما قال أتباع لجهم" يعني كمن قال بالوقف، أتباع بعض ... ، أتباع جهم قالوا بالوقف، بعض أتباع جهم يعني الطائفة من الجهمية قالوا بالوقف، فهم جهمية، الواقفة جهمية، إذن الواقفة جهمية، الواقفة في القرآن الذين يقولون: إن القرآن كلام الله، ولا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، هؤلاء طائفة من الجهمية.
"كما قال أتباع لجهم" إمام المعطلة في هذه الأمة، رأس المعطلة، يقول هو: "أسجحوا" عندكم "أسجحوا" والسفاريني في الشرح شرح على و"اسمحوا" والمعنى واحد أو متقارب أسمحوا وأسجحوا، وكل منهما فسر بجادوا وكرموا؛ أسمح بكذا جاد به، وأسجح أيضا فيه هذا المعنى، الإسجاح الجود.
............................
كما قال أتباع الجهم وأسجحوا
يعني جادوا بهذا المذهب وبهذا القول، جادوا به وبذلوه وتطوعوا به، جود قبيح، ما هو الجود الذي هو الكرم، جادوا به وطابت نفوسهم بالتفوه به، قالوه بسماحة، ما قالوه على مضض وعلى استكراه، قالوه يعني عن طيب نفس وعن قناعة "كما قال أتباع لجهم وأسمحوا".
"ولا تقل ... " البيت الخامس يقول أيش ولا تقل القرآن خلق قراءته
...................
عندكم "قراءته" وفي نسخة "قراءةً" وهو الذي مشى عليه الشارح، لا، عندكم قُرانه "ولا تقل القرآن خلق قُرانه" وفيما أثبته المحقق لشرح السفاريني -نعم- "قراءته" والسفاريني شرح على "قراءةً".
ولا تقل القرآن خلق قراءةً
....................
والأولى عندي "قراءته" لا تقل القرآن خلق قراءتي، القرآن خلق قراءةً، القرآن مخلوق قراءتي، تلاوتي لفظي بالقرآن مخلوق، وفيما أثبت عندكم "قُرانه" له وجه أن القُران أو القرآن يطلق بمعني القراءة، "قرآن" أو بالتسهيل قُران يطلق ويراد به القرآن الذي هو كلام الله المثبت بين دفتي المصحف، ويطلق بمعنى القرآن، يطلق بمعنى القراءة نفس القراءة، ومن شواهد ذلك قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ يعني قراءته، ومن هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: يجيء القرآن -يعني القراءة، العمل- يجيء القرآن كالرجل الشاحب يُحاج عن صاحبه.
ولا تقل القرآن خلق قُرانه
...................
يعني قراءته، لا تقل تلاوتي للقرآن أو قراءتي للقرآن خلق أي مخلوق، يريد الناظم النهي عن أن ... نهي المسلم ونهى السني أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، أو تلاوتي للقرآن مخلوقة، تلاوتي أو قراءتي، وهذه أيضا مسألة كبيرة وعظيمة، وكثر فيها الخوض والقيل والقال والافتراء، واشتهر عن الإمام أحمد أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، ويسمى القائلون بأن اللفظ بالقرآن مخلوق يسمون اللفظية.
ولا ريب أن من الجهمية من يقول لفظي بالقرآن مخلوق، وهو يريد القرآن الملفوظ به مخلوق، واشتهر كذلك عن الإمام البخاري أنه يقول لفظي بالقرآن مخلوق، لكنه بيّن المراد في كتاب خلق أفعال العباد، بل وفي صحيحه في كتاب التوحيد، ونشأ عن ذلك مشكلة كبيرة، مشكلة بينه وبين شيخه محمد بن يحيى.
يقول والسبب في هذا أن اللفظ مصدر لَفَظ يلفِظ لفظًا، واللفظ في اللغة العربية .. اللفظ إذن هو مصدر، والمصدر في اللغة العربية يطلق يراد به المعنى المصدري، ويطلق ويراد به اسم المفعول، مثل الخلق بمعنى المخلوق والخلق الذي هو الفعل، ومثل الرد بمعنى المردود والرد بالمعنى المصدري، رد يرد ردًا، وهذا كثير.
وقس عليه من جنسه تقول: هذا -تشير إلى بعض الأشياء- تقول: هذا خلق الله، يعني مخلوق لله، وتقول خلق الله، الخلق صفة لله وفعل من أفعاله، هذا بالمعنى المصدري، ومثله الأمر؛ الأمر يأتي بمعنى المأمور ويأتي بالمعنى المصدري الذي هو الفعل أمر يأمر أمرًا، وهكذا.
¥