تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن مما يبين أن العلماء لا يؤمنون بكل ما ذكروا من الإسرائيليات أنهم يتشددون في تكذيب ما رفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك الإسرائيليات وهذا أمر واضح في منهج الحافظ ابن كثير والإمام القرطبي، وقد ذكر شيخ الإسلام ما يدل على ذلك حيث قال في الرد على البكري: (( ... وأيضًا فعلماء الدين أكثر ما يحررون النقل فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه واجب القبول أو فيما ينقل عن الصحابة و أما ما ينقل من الإسرائيليات و نحوها فهم لا يكترثون بضبطها ولا بأحوال نقلها لأن أصلها غير معلوم و غايتها أن تكون عن واحد من علماء أهل الكتاب أو من أخذه عن أهل الكتاب لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم و إما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم فإذا كنا قد نهينا عن تصديق هذا الخبر و أمثاله مما يؤخذ عن أهل الكتاب لم يجز لنا أن نصدقه إلا أن يكون مما يجب علينا تصديقه مثل ما أخبرنا به نبينا عن الأنبياء و عن أممهم فإن ذلك يجب تصديقه مع الاحتراز في نقله فهذا هذا)).

فعلى سبيل المثال قال ابن كثير: (وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن [البصري] وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال.) انتهى

وقال في تفسير قوله تعالى: ({هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)} سورة الأعراف، قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولما ولدت حواء طاف بها إبليس -وكان لا يعيش لها ولد -فقال: سميه عبد الحارث؛ فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره"، ثم تكلم ابن كثير عن طرقه وبين ضعفها في كلام يطول ذكره ثم قال: وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا، فهوّدوا ونَصَّروا. وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن، رحمه الله، أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وَوَرَعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله [تعالى] إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم). فتأمل قوله رحمه الله: إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع.

وقال ابن كثير في موضع آخر: (ما رواه البيهقي في الدلائل من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: " بعث الله جبريل إلى آدم، فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به، وقال له: أنت أول الناس وهنا أول بيت وضع للناس "، قال ابن كثير: (إنه من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف، والأشبه والله أعلم أن يكون موقوفاً على عبد الله بن عمرو بن العاص، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فكان يحدث بما فيهما) انتهى، وقد مضى ذكر كلام ابن كثير في منهجه في ذكر الإسرائيليات في الرد الأول على أبي عرفة.

وقفات مع

كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير