وعلى تلك الصفات الثلاث تكسرّت نبال الأذى، ونبت شباة الشتيمة، وفلّ سلاح المعارضة من رؤساء في الدين جهال به، يزهدون الأتباع، ويحرصون على الابتلاع، ومن شيعة لهم طامعة في دينارهم، أو مغرورة بدثارهم، ومن سادة لهم هم المعمرون، الذين يشبهونهم في شرب عرق الخدامين.
وتحت لواء تلك الصفات اجتمع كل نقي اللب، تقي القلب، فكانت قوة اتحاد إلى قوة الحق والإعراب عنه، حققت شيئا من الآمال وقضت على أنواع من الضلال، وتجلت تلك القوة في تأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائرين" والمحافظة عليها، وتخليصها من عناصر الضعف والدجل. [7]
فنجحت نجاها جليا ظهرت آثاره للعيان، ولَمَسَه الموافق والمخالف والمعتدل والمتجانف، في تصحيح عقائد الأمة الجزائرية، وتطهيرها من شوائب الشرك القولي والعملي التي شابتها.
فصحت العقائد وصحت لصحتها الإرادات والعزائم.
فجمعت طوائف عظيمة من الأمة الجزائرية على الحق بعد أن كانت متفرقة على الباطل.
أصبح المنتسبون إلى الإصلاح ولو من العامة يخلصون لله في عباداتهم وإيمانهم ونذورهم وأدعيتهم، ونبذوا كل ما كانوا عليه من عقد فاسد أو قول مفترى أو عمل مبتدع في هذه الأبواب كلها واصبحوا يفرقون بين التوحيد والشرك وبين الإيمان والإلحاد وبين السنة والبدعة والمشروع وغير المشروع.
وليست هذه النتيجة بالأمر اليسير لولا عون الله لهم لما بذلوه من مجهود وجهاد وأعمال في هذا السبيل.
والحق أن هذه الآثار الجلية كلها راجعة إلى المقالات التي نشرتها صحف الإصلاح والدروس والمحاضرات [8] والكتب المؤلفة المبثوثة بين الناس.
أيها الإخوة الأعزاء:
سأذكر لكم طرفا من جهودهم واقتصر على بعض منهم لضيق الوقت وتركت أكثرهم لموسوعتي
"سلسلة علماء الجزائر خلال قرنين: (1200 - 1420 - 1800م-2000م) "
منهم باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر، وواضع أسسها على صخرة الحق، وقائد زحوفها المغيرة إلى الغايات العليا، وإمام الحركة السلفية، ومنشئ مجلة"الشهاب" مرآة الإصلاح وسيف المصلحين، ومربي جيلين كاملين على الهداية القرآنية والهدي المحمدي وعلى التفكير الصحيح، ومحي دوارس العلم بدروسه الحية، ومفسر كلام على الطريقة السلفية في مجالس انتظمت ربع قرن، وغارس بذور الوطنية الصحيحة وملقّن مباديها، علم البيان وفارس المنابر، الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد
ابن باديس، أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائرين، وأول مؤسس لنوادي العلم والأدب وجمعيات التربية والتعليم رحمه الله ورضي عنه. [9]
أحيا أمة تعاقبت عليها الأحداث والغير، ودينا لابسته المحدثات والبدع، ولسانا أكلته الرطانات الأجنبية وتاريخا غطى عليه النسيان ومجدا أضاعه ورثة سوء وفضائل قتلتها رذائل الغرب.10
كان يلقي دروسا في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن على الطريقة السلفية التي اتخذتها جمعية علماء المسلمين الجزائرين منهاجا بعد ذلك، وبنت عليها جميع مبادئها ومنهاجها في الإصلاح الديني. [10]
ونلمس ذلك في مقالات ضمتها آثاره المطبوعة بعناية الشيخ العلامة عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرين الحالي حفظه الله تعالى.
ورسالته الشهيرة " العقائد الإسلامية" وقد انبرى لشرحها ونشرها شيخنا العلامة أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله تعالى
ومن أقواله طيب الله تراه:
"يعلم العلماء أن التوحيد هو الأساس الذي تنبني أعمال الإيمان: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وأن الله لا يقبل شيئا منها إذا انبنى على الشرك، وقد قال تعالى {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرن}. [11]
ومنهم الرئيس الثاني عالم العلماء أديب المصلحين العلامة الكبير الجهبد شيخ العربية محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى.
فقد خصّ أكثر حياته في نشر التوحيد ومحاربة الشرك والرد على أصحاب الطرق الصوفية المنحرفة في مقالاته التي جمعها ابنه البار الأستاذ أحمد طالب الإبراهيمي.
بلسان عربي مبين على عادته رحمه الله في بيان الحق والرد على أهل الباطل.
قال رحمه الله في معرض الرد على أصحاب الطرق:
¥