وثانيهما: أن السيد رعوي لآخر، ولكن له فضل على عامة الرعايا، ممتاز منهم بالمزايا، ينزل إليه حكم الحاكم أولا، ثم يبلغ إليهم من لسانه وبواسطته ... فالنبي بهذا المعنى سيد لأمته، والإمام سيد أهل عصره ... فإن هؤلاء الكبار يتمسكون بحكم الله ـ تعالى ـ أولا بأنفسهم، ثم يبلغونه إلى أصاغرهم ويعلمونهم.
وهكذا نبينا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سيد أهل العالم أجمعهم وأكتعهم وأبصعهم، ومرتبته عند الله ـ عز وجل ـ أعلى من الجميع، وأكبر من الكل، وهو ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أقوم الخلق، وأكبرهم في القيام بأحكام الله ـ تعالى ـ وكل الناس محتاجون إليه في تعلم سبل الله وشرائعه.
وعلى هذا يصح أن يقال له: سيد العالم، بل يجب أن يعتقد فيه هذه السيادة العامة الشاملة للجميع
وأما بناء على الأول، فليس هو ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سيد نملة واحدة، فضلا عن غيرها؛ لأنه ـ عليه السلام ـ لا يقدر على التصرف في نملة من تلقاء نفسه)) (86 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn86)) .
ثانيها: كون الموصوف بذلك أهلا للسيادة، أما إذا لم يكن أهلا لها فلا.
ودليل هذا: حديث النهي عن القول للمنافق ياسيد.
قال العلامة النووي (ت 676) ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على الجواز وبعض الأحاديث الدالة على المنع: ((والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق: فلان سيد، وياسيدي، وشبه ذلك، إذا كان المسود فاضلا خيرا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا، أو متهما في دينه، أو نحو ذلك، كره أن يقال: سيد)) (87 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn87)) .
وذكر العلامة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ أن إطلاق ذلك على المخلوق يجوز بشرط ((أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، أما إذا لم يكن أهلا، كما لو كان فاسقا أو زنديقا فلا يقال له ذلك، حتى ولو فرض أنه أعلا منه مرتبة أو جاها ... فإذا كان أهلا لذلك، وليس هناك محذور، فلا بأس به، وأما إن خشي المحذور، أو كان غير أهل فلا يجوز)) (88 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn88)) .
3- انتفاء المفسدة، فإن كانت المفسدة في الخطاب منع من ذلك، وإن كانت المفسدة في قولها وإن لم يكن موجها له الخطاب كأن يكون بضمير الغيبة منع منه، وإن كان يخشى من المفسدة؛ للغلو أو التدرج فيه، منع من ذلك، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
ودليل هذا هو إنكار النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذلك في حديث عبد الله بن الشخير، حيث كان مخاطبا به؛ فإن ذلك العام كان عام وفود، والناس كانوا حديثي عهد بكفر وجاهلية، والغلو فيهم فاش، فلخشيته ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من الغلو فيه أو التدرج في ذلك نهاهم عن ذلك.
المبحث الثاني: سيادة النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المطلب الأول: سيادته في الدنيا والآخرة
لقد جاء في الحديث عن النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أحاديث تدل على سيادته ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ومن هذه الأحاديث:
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: ((أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلحم، فرفع إليه الذراع ـ وكانت تعجبه ـ فنهس منها نهسة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك لله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي ـ عز وجل ـ قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن
¥