وقد كان ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك، واستعمال اللفظ المهين المكروه فيمن ليس من أهله، وإطلاق السيادة على المنافق والكافر ومن في حكمهم من هذا القبيل (114 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn114)) .
وقد جاء النص عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في النهي عن إطلاق لفظ السيادة عليهم صريحا.
قال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن يك سيدا، فقد أسخطتم ربكم)).
وقد بين العلماء كيف أنّ من أطلق السيادة على المنافق مسخطٌ لربه، فقد ذكر الطحاوي (ت 322) ـ رحمه الله تعالى ـ أن سبب ذلك هو أنه وضع المنافق بخلاف المكان الذي وضعه الله ـ عز وجل ـ بذلك (115 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn115)) .
وذكر ابن الأثير ـ رحمه الله تعالى ـ وجها آخر، فقال في بيان معنى هذا الحديث: ((فإنه إن كان سيدكم ـ وهو منافق ـ فحالكم دون حاله، والله لا يرضى لكم ذلك)) (116 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn116)) .
فقد بين أن سبب النهي هو أن القائل جعل المنافق سيدا له، فيكون هذا القائل دونه، فلما كان دونه كانت حاله أشد من حاله.
وأما العلامة الطيبي (ت 743) ـ رحمه الله تعالى ـ فذهب إلى أن سبب السخط أحد أمرين:
الأول: هو كون من جعله سيدا، فقد جعله واجب الطاعة، فإذا أطاعه القائل، كان ذلك سببا لسخط الرب ـ جل وعلا ـ.
الثاني: أن السخط حاصل بمجرد قولها له، وإن لم يك سيدا في الحقيقة والواقع، وجعل الطيبي معنى (إن يك) إن يُقَل له (117 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn117)) .
وأما ملا علي قاري ـ رحمه الله تعالى ـ فذهب إلى أن قول ذلك للمنافق سبب للسخط من وجهين:
أحدهما: أن يكون سيد قوم أو صاحب عبيد وإماء وأموال، فإطلاق هذا اللفظ عليه يكون تعظيما له، وتعظيم المنافقين سبب لسخط الرب ـ جل وعلا ـ لأن الله ـ تعالى ـ أمر بالغلظة عليهم.
ثانيهما: أن يكون المنافق ليس كذلك، يعني ليس بصاحب دنيا ولا جاه، فإذا قيل له ذلك، كان كذبا بالاتفاق، والكذب حرام، وهو من أسباب السخط (118 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn118)) .
فلا يحل بعد هذا البيان من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يطلق هذا اللفظ على منافق أو كافر.
المبحث الخامس: إطلاق هذا اللفظ على المبتدع
لقد اشتد السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ على أهل البدع، ونهوا عن تعظيمهم وإكرامهم، وذلك لما لهم من الخطر على الإسلام وأهله.
وقد جاءت النصوص عنهم محذرة من ذلك.
قال إبراهيم بن ميسرة (ت 132) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام)) (119 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn119)) .
وبنحو ذلك قال الفضيل بن عياض (120 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn120)) ( ت 187).
وكان طاوس (ت106) ـ رحمه الله تعالى ـ يطوف بالبيت، فلقيه معبد الجهني (ت 80)، فقال له طاوس: أنت معبد؟ قال: نعم، فالتفت طاوس إلى من معه وقال: ((هذا معبد، فأهينوه)) (121 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn121)) .
بل حكى الإمام أبو إسماعيل الصابوني (ت 449) إجماع أهل السنة والجماعة على وجوب قهر أهل البدع وإذلالهم، فقال: ((واتفقوا ـ مع ذلك ـ على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم، وإبعادهم وإقصائهم، والتباعدعنهم، ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بمجانبتهم ومهاجرتهم)) (122 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn122)) .
فالسلف ـ رحمهم الله تعالى ـ يرون إذلال أهل البدع وقهرهم، ترك الانبساط معهم، والسلام عليهم، ومؤاكلتهم، ومجالستهم، فضلا عن تقديمهم في المجالس وتعظيمهم، وإظهار إكرامهم.
وقد ألحق السلف أهل البدع بالمنافقين في تحريم إطلاق لفظ السيد عليهم، وذلك لأن هذا اللفظ يدل على تعظيمهم واحترامهم.
واستدلوا على ذلك بحديث: ((لا تقولوا للمنافق يا سيد)).
¥