حصول السكينة والثبات: قال الله تعالى (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذا يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) [التوبة: 40]، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (يا أبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) متفق عليه. فمن كان الله معه فمعه القوة العظمى التي لا تهزم، ولقد ربى الله أصفياءه على أن يكونوا على علم بأنه معهم فلما أرسل موسى إلى فرعون الطاغية قائلاً (اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى) [طه:42] قال موسى وهارون: (إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [طه:45] وهذا دواء الخوف وعلاجه من قلوب المؤمنين، إنه القاهر فوق عباده معنا أسمع وأرى فما يكون فرعون وجنوده وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى) فيذهبان إلى فرعون فيخاطبانه دون خوف ولا وجل فيقولان (إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من ابتع الهدى) [طه:47] ويختمان الحديث (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) [طه:48].
ويوحي الله إلى موسى بالسرى، ويتبعه فرعون وجنوده، ويقترب المشهد من نهاية وتصل المعركة ذروتها، ويقف موسى أمام البحر ليس معهم سفين، وماهم بمسلحين وقاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم، ودلائل الحال تقول كلا: لامفر! العدو من خلفهم، والبحر من أمامهم ويبلغ الكرب مداه، وما هي إلا لحظات ويهجم الموت ولا مناص ولا معين (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) [الشعراء:61] فيقول موسى الذي امتلأ قلبه بربه ثقة بربه (كلا) لا يكون ذلك (إن معي ربي سيهدين) [الشعراء:62] كلا بقوة وشدة لن نكون مدركين، كلا لن نكون ضائعين! كلا إن معي ربي سيهدين! وفي اللحظات الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس وينفتح باب من النجاة من حيث لا يحتسبون [2].)
ويضطرب أبو بكر الصاحب إذ هما في الغار وهو يسمع خفق نعال المطاردين ويملكه خوف شديد على صاحبه فيقول (لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا) فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الواثق بمعية الله (لا تحزن إن الله معنا).
ومن آثار معرفة هذا الاسم:
قرب النصر والفرج: قال صلى الله عليه وسلم (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) رواه الترمذي (2516) وهو حديث صحيح.
إن نصر الله آت، وفرجه قريب، والمؤمن لا يفقد أمله مع طول الانتظار بل يظل يُرجي من القريب المجيب نصره، وفرجه ولا يقترح عليه بل يتأدب بأدب العبد المسلّم لما أراده ربه ويأخذ بما شرع له من الأسباب.
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا ... وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج
ومن الآثار:
الشوق إلى الله والأنس به: فمع كون الله هو القريب من عباده إلا أن عباده المؤمنين به المصدقين بوعده المصدقين برسله المحبين المختبين أعظم شوقاً إلى من كل قريب وكلما ازدادوا صلاحاً وقربة وسجوداً، لاح من جماله وجلاله ما يزيدهم شوقاً وحنيناً إلى لقائه وأعظم ما يكون هذا الشوق عند لحظات الحياة الأخيرة عند مفارقة الحياة عندها يعظم شوق المؤمن ويحب لقاء الله ويرجوه.
وأبرح ما يكون الشوق يوماً إذا دنت الخيام من الخيام.
أيها الأخ القارىء والأخت القارئة: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرصة ليشعر أصحابه بالشعور بقرب الله ومعيته ليعشوه هذا المعنى واقعاً عملياً في حياتهم (إن الذي تدعونه أقرب إلى عنق أحدكم من عنق راحلته) (أقرب ما يكون العبد من ربه جوف الليل الآخر) (أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد) فهل نشعر أنفسنا بهذا المعنى ونربي عليه من حولنا من متلق ومتعلم ومتأدب؟ وهل نحن نعيش هذا المعنى العظيم الذي يحمل في طياته معاني الأنس والطمأنينة و القوة والثبات، إنها معاني ومعالم تنهض بالهمة وتصل بالنفس والروح إلى بساط القرب!
وبعد أيها القارئ الكريم:
فإني مع هذا أزعم أني أتيت بظاهر هذه المعاني دون خافيها، وحمت حول حماها ولم أقع فيها، إذ الغرض إنما هو الوصول إلى القرب من الرب سبحانه حقيقة لا ادعاءً، وذلك شيء مكنون في القلوب والخواطر، ولا تنطق به الأوراق ولا الدفاتر، فليس أمامك أيها الحبيب المبارك إلا الدربة والإدمان على تذكر اسم القريب، وإجرائه على قلبك، وذلك أجدى عليك نفعاً، وأهدى بصراً وسمعاً، ترى الخبر عياناً، والبعيد إمكانا، فأعط كل جارحة منك قلباً ولساناً من معاني قربه تجده معك ولك قريباً مجيباً، وتعرف عليه في الرخاء يعرفك في الشدة، واحفظ الله تجده تجاهك،و احفظ الله تجده ناصرك ومعينك [3].
اللهم إنك أنت تعلم سرنا وعلانيتنا فاقبل معذرتنا، وتعلم حاجتنا فأعطنا سؤلنا، وتعلم ما عندنا فاغفر لنا ذنوبنا.
اللهم إنا نسألك إيماناً يباهي قلوبنا، ويقيناً صادقاً حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا ...
وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد.
والحمد لله رب العالمين،،،
*/ كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا
6/ 11/1428
[1] ينظر: مدراج السالكين 2/ 266، 267. بتصرف.
[2] يراجع: قصة موسى عليه السلام في تفسير (في ظلال القرآن)، لسيد قطب تفسير سورة طه وسورة الشعراء.
[3] تضمين واقتباس من كتاب المثل السائر 1/ 25.