وعدم الاختلاف بين العلم والتطبيق المنهجي له، فأهل السنة والجماعة بعيدون كل البعد عن التضاد والتناقض الذي يعيشه أهل الأهواء بين أقوالهم وعلومهم وأعمالهم وأحوالهم. وقد جعل الله المقت والبغض لمن يقول ما لا يفعل.
12. الجمع بين الخوف والرجاء والحب:
فأهل السنة والجماعة يجمعون بين هذه الأمور، ويرون أنه لا تنافي ولا تعارض بينها، قال سبحانه وتعالى: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء:90]،وقال في معرض الثناء على سائر عباده المؤمنين "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" [السجدة:16].
وأمرنا أن نعبده بالخوف والرجاء، كما في قوله تعالى: " وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ" [الأعراف:56]. هذه طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب.
أما من عداهم فلا يجمعون بين الخوف والحب والرجاء، وإنما يأخذون بعبادة من هذه، ويدعون ما سواه.
فغلاة الصوفية – مثلاً – يقولون نحن نعبد الله لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه، وإنما نعبده حباً لذاته فحسب. أما الخوارج فعبدوا الله بالخوف وحده.
أما أهل السنة والجماعة فيرون – كما مضى – أنه لابد من الجمع بين الخوف والحب والرجاء، فالخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً، والرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً من مكر الله.
وهناك مقولة مشهورة عند السلف، وهي قولهم: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحد".
13. الجمع بين الرحمة واللين والشدة والغلظة:
قال تعالى في وصف الصحابة رضي الله عنهم: " أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ " [الفتح:29].
وقال في وصف عباده المؤمنين الذين يحبهم ويحبونه: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" [المائدة:54]، ثم إن نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- هو نبي الرحمة، وهو في الوقت نفسه نبي الملحمة، بخلاف غيرهم ممن يأخذون بالشدة في جميع أحوالهم أو باللين في جميع أحوالهم، وبخلاف غيرهم ممن عكس الأمر، فتنكر للمؤمنين، وأغلظ لهم القول، وتودد للكافرين والمبتدعة والمنافقين وتلطف لهم وألان لهم الجانب.
أما أهل السنة فيجمعون بين هذا وهذا، كل في موضعه حسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية قال –صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
فما أحوج طلبة العلم إلى التأدب بهذه الآداب التي تعود عليهم وعلى غيرهم بالخير والفائدة، مع البعد عن الجفاء والفظاظة التي لا تثمر إلا الوحشة والفرقة وتنافر القلوب وتمزيق الشمل.
14. العدل:
فالعدل من أعظم المميزات لأهل السنة والجماعة، فهم أعدل الناس، وأولاهم بامتثال قول الله –عز وجل-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ " [النساء:125]، وقوله تعالى: "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" [الأنعام:256]، حتى إن الطوائف إذا تنازعت احتكمت إلى أهل السنة، ومن مظاهر عدلهم أنهم لا يكفرون كل من كفرهم.
ومن قواعد العدل عندهم أنهم لا يحكمون على أحد من الناس حتى يستمعوا له ويتبينوا أمره، وأنهم لا يأخذون بالقول من طرف واحد خاصة فيما بين الأقران، ومن قواعد العدل عندهم أنهم يحفظون لصاحب الفضل فضله، ويذكرون خيره وإن خالفهم في بعض الأمر.
وهناك ممن خالف منهج أهل السنة والجماعة ممن اشتغل بتتبع الأخطاء والبحث عنها ثم نشرها، والتحذير ممن حصل منه شيء من هذه الأخطاء، وترك استعمال العدل معه بنصحه وتذكيره، وقد يكون أحد المجروحين نفعه عظيماً سواءً عن طريق الدروس أو التأليف أو الخطب.
15.ومنها الأمانة العلمية والوسطية:
الأمانة زينة العلم، وأهل السنة والجماعة هم أكثر الناس أمانة في العلم، وأحرصهم على التحلي بتلك الحلية.
¥