ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم، الأمانة في النقل، والبعد عن التزوير، وقلب الحقائق، وبتر النصوص، وتحريفها، فإذا نقلوا عن مخالف لهم نقلوا كلامه تاماً، فلا يأخذون ما يوافق ما يذهبون إليه، ويدعون ما سواه، كي يدينون المنقول عنه، وإنما ينقلون كلامه تاماً، فإن كان حقاً أقروه، وإن كان باطلاً ردوه، وإن كان فيه وفيه، قبلوا الحق وردوا الباطل، كل ذلك بالدليل القاطع، والبرهان الساطع.
ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم أنهم لا يحمّلون الكلام ما لا يحتمل، وأنهم يذكرون ما لهم وما عليهم، وأنهم يرجعون للحق إذا تبين، ولا يفتون ولا يقضون إلا بما يعلمون، كما أنهم أحرص الناس على نسبة الكلام إلى قائله، وأبعدهم من نسبته إلى غير قائله.
أما أهل الأهواء فلا تسل عن تفريطهم بهذا الجانب، فما أكثر إتباع الهوى عندهم، والحكم بالمتشابه، وحمل الكلام على غير محمله، وتحريف الكلم عن مواضعه، والاستدلال بلوازم يرتبون بعضها على بعض تحقيقاً لأمر في صدورهم من تضليل لغيرهم أو تبديع أو تكفير من غير تثبت ولا دليل بيّن ظاهر.
16. لا يتسمون إلا باسم الإسلام والسنة والجماعة:
فهذا من أبين الفروق بين أهل السنة والجماعة، وبين أهل البدعة والفرقة، أهل السنة ينتمون للسنة والجماعة، وأهل الأهواء والبدع كل طائفة منهم تنتسب إلى شخص من أهل البدع ورؤوس الضلال كالجهمية، أو إلى شخص خالف السلف في بعض الأصول كالكلابية والأشعرية، والماتريدية، أو إلى أصل من أصول الضلالة، كالقدرية، والجبرية، والمرجئة، أو إلى وصف يدل على حقيقتهم وشعارهم كالرافضة والصوفية، والفلاسفة، والباطنية والمعتزلة وغيرهم، وكذلك يشذ عن هذه القاعدة انتساب بعض أهل البدع لأشخاص من أئمة السنة زوراً وبهتاناً، كانتساب المعتزلة للصحابة الذين اعتزلوا الفتنة، وكانتساب العلويين النصيريين الباطنيين إلى علي –رضي الله عنه-، وقد سأل رجل مالكاً فقال: من أهل السنة؟ قال: "أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي".
17.التوافق في وجهات النظر وردود الأفعال:
فأهل السنة والجماعة تتفق في الغالب وجهات نظرهم وردود أفعالهم، حتى ولو تباعدت أعصارهم وأمصارهم، وهذا ناتج عن وحدة المصدر، بخلاف غيرهم من أهل البدع الذين تختلف مواقفهم تبعاً لأهوائهم.
18.عدم الاختلاف في أصول الاعتقاد:
فالسلف الصالح لم يختلفوا بحمد الله في أصل من أصول الدين، وقواعد الاعتقاد، فقولهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله واحد، وقولهم في الإيمان وتعريفه ومسائله واحد، وقولهم في القدر واحد، وهكذا في باقي الأصول.
بخلاف أهل البدع، فإنهم أنفسهم لا يتفقون على أصولهم، بل إن الفرقة الواحدة منهم لا يتفق أفرادها كل الاتفاق على أصل من أصولهم.
19.ترك الخصومات في الدين ومجانبة أهل الخصومات:
لأن الخصومات مدعاة للفرقة والفتنة، ومجلبة للتعصب واتباع الهوى، ومطية للانتصار للنفس، والتشفي من الآخرين وذريعة للقول على الله بلا علم.
ولما كان هذا شأن الجدل والخصومات ابتعد عنها السلف الصالح، وحذروا منها، وورد عنهم آثار كثيرة في ذلك. وأخرج أن عمر بن عبد العزيز –رحمه الله– قال: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل".
وقال جعفر بن محمد رحمه الله: "إياكم والخصومات، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق".
وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي: "ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء؟ قال: الخصومات".
20. البعد عن القيل والقال وكثرة السؤال:
وذلك امتثالاً لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تبارك وتعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا لمن ولاه الله أمركم، ويكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".
فالقيل والقال وكثرة نقل الكلام مدعاة لتتبع الناس والنيل منهم، وكثرة السؤال مدعاة للتشديد والتنطع، والتقعر، والتنقيب والاعتراض، والتعنت، والسؤال عما لا ينبغي السؤال عنه، ولا الخوض فيه.
¥