ولهذا لما قسم الأولون والآخِرُون العلمَ إلى تصوُّرٍ وتصديقٍ وجعلوا التصوُّرَ هو العلمُ بالمفردات الذي هو مجرَّدُ تصوُّرِهَا، والتصديقُ العلم بالمركَّبَات الخبريَّةِ من النفي والإثبات، فسمُّوا العلم بذلك تصديقاً، وجعلوا نفسَ العلمِ هو نفسَ التصديقِ، ولو كان في النفس تصديقٌ لتلك القضايا الخبريَّة ليسَ هو العلمُ لوجبَ الفرقُ بين العلم بِهَا وتصديقِهِا ".
أقول: ولا يرِدُ على هذا أن العلم الذي قسمه المناطقة إلى تصور وتصديق هو العلم الحادث لا علم الله تعالى – كما قيده بذلك الأخضري في السُّلَّم -، فإن حقيقة الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب – وقد حكى الرازي في نهاية العقول الإجماع على ذلك -، وإنما قيد المتأخرون كالأخضري العلم بالعلم الحادث – كما يذكره الشراح انظر مثلا شرح القويسني ص (10) – لأن علم الله لا يتنوع، ولأن التصور يشعر بسبق الجهل على الله تعالى، وهذا لا يضر، لأن ابن تيمية لم يستشهد بهذا التقسيم من حيث هو، ولم يقل إن علم الله تصوُّرِي، وإنما الشاهد عنده أنهم لم يفرقوا بين حقيقة العلم بالشيء وحقيقة التصديق به (وهو الخبر النفسي)، وإن كان هناك فرق بين حقيقتهما فهو كذلك في الشاهد والغائب.
وكلام الآمدي المشار إليه في أبكار الأفكار (1/ 18 - 20).
(9) نهاية العقول. كما في التسعينية (2/ 602).
(10) التسعينية (2/ 642).
(11) الأربعين (170).
(12) أو الخبر النفسي أو التصديق أو الحكم الذهني أو الحكم النفسي أو التدبير أو حديث النفس، فكلها أسماء لمسمى واحد.
(13) هذا ممكن بلا ريب، " لكن هذا لا يخرجه عن أن يكون من جنسِ الاعتقاد الذي يكونُ من جنس العلم والجهل المركب، فإنَّ المعتقدَ للشيء بخلافِ ما هو به لا ريبَ أنَّهُ ليس بعالمٍ به، وإن اعتقد أنه عالمٌ به، فالكذبُ من هذا الجنس، لكنَّ الكذبَ يعلمُ صاحبه أنه باطلٌ والجهل المركَّبُ لا يعلم صاحبه أنه باطل، ومعلومٌ أن الاعتقادات في كونها حقاً أو باطلاً أو معلومة أو مجهولة لا تخرجُ عن الاشتراك في مُسمَّى الاعتقاد والخبر النفساني، كما لا تخرج العبارة عنها - بكونها حقاً أو باطلاً أو معلومة أو مجهولة - عن أن تكون لفظَاً وعبارةً وكلاماً، فإذا كانت العبارات على اختلاف أنواعها يجمعُهَا النطق اللسانيُّ فالمعنَى الذي هو الاعتقادُ على اختلافِ أنواعه يجمعُهُ النطق النفسانيُّ والخبرُ النفسانيُّ " التسعينية (2/ 669).
(14) الأربعين (170).
(15) التسعينية (2/ 603).
(16) وسأبين في حلقة لاحقة بإذن الله تناقض هذا التقرير مع قول الأشعرية في الحكمة والتعليل.
(17) الاقتصاد في الاعتقاد
(18) التسعينية (2/ 644). والشرح المذكور للإرشاد – الذي يسميه ابن تيمية زبور الأشعرية - ليس مطبوعاً.
(19) الإرشاد (397).
(20) التسعينية (2/ 649).
(21) التمهيد (346).
(22) التسعينية (2/ 664 - 665).
(23) التسعينية (2/ 643).
الحلقة السابقة:
تناقضات الأشعرية (9): في دليلهم النظري على أن كلام الله تعالى غير مخلوق ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=206834)
فائدة:
لما تطرق الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى إلى مسألة اللفظ في رسالته صريح السنة قال:
" وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن؛ فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا تابعي قضى إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه وفي اتباعه الرشد والهدى ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه ".
وقيل في الإمام أحمد:
أضحى ابنُ حنبلَ محنة ًمأمونةً=وبِحُبِّ أحمدَ يُعرفُ المُتَنَسِّكُ
وإذا رأيتَ لأحمدَ مُتَنَقِّصًا = فاعلمْ بأنَّ سُتُورَهُ سَتُهَتَّكُ