تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أبو القاسم الأنصاري شيخُ الشهرستاني وتلميذُ أبي المعالي في شرحِ الإرشاد: "ومما تمسَّك به الأستاذُ أبو إسحاق والقاضي أبو بكر وغيرُهُما أن قالوا: الكلام القديم هو القول الذي لو كان كذباً لَنَافَى العلمَ به من حيثُ أنَّ العالم بالشيء من حقِّه أن يقومَ به إخبارٌ عن المعلومِ على الوجه الذي هو معلومٌ له، وهكذا القولُ في الكلامِ القائِمِ بالنفس شاهداً، أو هو الذي يسمى التدبير أو حديث النفس، وهو ما يلازم العلم " (18).

وقد بين الأشعرية أن الكلامَ النفسيَّ ملازمٌ للعلم في موضعٍ آخرَ، وهو عند كلامهم في حقيقةِ الإيمان، أو: في الأسماء والأحكام.

قال أبو المعالي في الإرشاد بعد أن عرض أقوال الفرق في الإيمان: " والمرضيُّ عندَنَا أنَّ حقيقةَ الإيمان التصديقُ بالله، فالمؤمنُ بالله من صدَّقهُ.

ثُمَّ التصديقُ على الحقيقة كلامُ النفس، ولا يثبتُ كلامُ النَّفسِ كذلك إلا مع العلمِ، فإنا أوضحنَا أن كلامَ النفس يثبت على حسبِ الاعتقاد " (19).

قال ابن تيمية: " فقد صرح بأنَّ كلامَ النفس لا يثبتُ إلا معَ العلم، وأنَّهُ إنما يثبتُ على حسب الاعتقادِ، وهذا تصريحٌ بأنه لا يكونُ معَ عدمِ العلمِ ولا يكونُ على خلافِ المُعتَقَدِ، وهذا يناقضُ ما أثبتوا به كلامِ النفس وادَّعَوا أنهُ مغاير للعلم " (20).

أقول: ولذلك فسر الباقلاني الإيمان بالتصديق، وبالعلم، ولم يفرق بينهما (21).

ولا يُقَالُ: إنَّ هذا في الشاهدِ دون الغائب، لأن حقيقةَ الخبر لا تختلفُ في الشاهدِ والغائبِ.

وبهذا يُعلَمُ " أن الطريقةَ التي سلكوها في إثبات صدقِ الخبر، تُبطِلُ عليهم إثباتَ أصل الخبر النفسانِي، فلا يثبت حينئذٍ لا خبرٌ نفساني ولا صدقُه، والطريقةُ التي سلوكُها في إثبات الكلامِ النفساني إنما يثبتُ بها لو قُدِّر صحتُها خبرٌ هو كذبٌ، وذلك ممتنع في حقِّه تعالى.

فعُلِم أنهم مع التناقُضِ لم يُثبِتُوا لا الكلامَ النفساني ولا صدقَه، فلم يثبتوا واحداً من المتناقضين " (22).

أقول: وهذا التناقضُ من أظهرِ التناقُضات التي وقفتُ عليها في مقالات الأشعرية، إذ هو تناقص " في عينِ الشيء ليس تناقضاً من جهةِ اللزوم " (23).


(1) طبقات الحنابلة (1/ 414)، وانظر المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1/ 225 - 226).
(2) مجموع الفتاوى (6/).
(3) التسعينية (2/ 575) نقلاً عن السنة للخلال، وانظر نقولات أخرى عن الإمام أحمد في هذا المعنى في التسعينية أيضاً (2/ 583 - 588).
(4) في المطبوع: " فإن "، ولعل الصواب ما أثبتُّه.
(5) التسعينية (2/ 577).
(6) التسعينية (2/ 580).
(7) التسعينية (2/ 581)، وانظر (2/ 640).
(8) قال في المحصل (174): " أما المعنى الذي يقول أصحابنا، فهو غير مجمع عليه، بل لم يقل به أحد غير أصحابنا ".
أقول: وليس نفي الكلام النفسي الذي يقولون به نفياً لمطلق الكلامِ النفسي، لكن النفي هو نفي أن يكون الكلام النفسي مغايراً للعلم كما يزعُمُون، قال ابن تيمية: " لا ريبَ أنَّ النَّفسَ الذي هو القلبُ يوصَفُ بالنُّطقِ والقولِ كما يوصَفُ بذلك اللسَانُ، وإن كان القولُ والنُّطقُ عند الإطلاق يتناولُ مجموعَ الأمرين.
لكن هذا النطقُ والكلامُ الذي هو معنى الخبرِ القائم بالنفس، هل هُو شيءٌ مخالفٌ للعلمِ يمكنُ أن يكون ضدَّاً له؟ أو هو هو؟ أو هو مستلزم له؟
فدعوى إمكانِ مضادته للعلم مما يحسُّ الإنسان بنفسه خلافَهُ، ودعوى مغايرته للعلم أيضاً، فإن الإنسان لا يحسُّ من نفسه بنسبتين جازمَتَين كلٌّ منهما يتناولُ المفردين: إحداهُمَا علمٌ، والأخرى غيرُ علمٍ.
ولهذا لم يتنازع في ذلك لا المسلمين ولا من قبلهم من الأمم، حتى أهلُ المنطق الذين يُثبِتُون نُطقَ النفس ويسمُّونَهَا النفسَ الناطقة هم عند التحقيق يردُّون ذلك إلى العلم والتمييز.
ولهذا لما أراد حاذقُ الأشعريَّةِ المتأخرين أبو الحسن الآمديُّ أن يحُدَّ العلمَ بعد أن تعقَّب حدودَ الناس بالإبطال، وردَّ قول من زعم: أنه غنيٌّ عن الحد أو أنه يعرفُ بالتقسيم والتمثيل قال: " هو صفةٌ جازمةٌ قائمة بالنفسِ يوجب لمن قامَ به تمييزاً " ومعلومٌ أنه إن كان في النفس معنى للخبر غيرُ العلم فهذا الحدِّ منطبقٌ عليه.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير