" ونحنُ نستغفرُ الله من التقصير في ردِّ هذا المذهب القبيح، ولكن ظُهُور قُبحِه للعقول والفطر أقوى شاهدٍ على ردِّه وإبطالِه، ولقد كان كافينا من ردِّه نفسُ تصويره وعرضُه على عُقُول الناس وفِطَرهم "
قلت: رحمك الله .. ما أحسن خلقك!
فهو يقول إنه قصر في رد قولهم في التحسين والتقبيح، مع أنه استغرق مجلداً كاملاً، وهو من أطول بحوثه في كتبه كلها، وهذا تواضع وهضم للنفس، ما أحسن أن يتخلق إليه من يمارس الرد على مذاهب الخصوم.
ـ[محمد براء]ــــــــ[11 - 07 - 10, 01:43 م]ـ
هل يستطيع (سعيد فودة) أن يأتيَ بدليلٍ على صدق الله تعالى؟
وقفت على جواب لسعيد فودة على سائل يقول:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=77194&stc=1&d=1278845032
فأجابه فودة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=77195&stc=1&d=1278844357
قال مقيده - عفا الله عنه -: قد أغنى الله من اطلع على (المقال) الذي كتبته أعلاه عن معرفة موضع (الجهل) في كلام (فودة) هذا، وإن كان لا بد من بيان ذلك فأقول:
قوله: " فإن القبح والكذب العقليين المنفيين هما اللذان يترتب عليهما المدح والذم من حيث الفعل لا من حيث الذات والصفة ".
أقول: هذه زيغة عن محل البحث، إذ محل البحث في الكلام اللفظي: ما الدليل على صدقه، والكلام اللفظي عند هؤلاء الأشعرية فعل من الأفعال لا صفة من الصفات.
والذي يدل أن هذا هو محل البحث قول الرازي: " " فإن قلتَ الكلامُ الأزليُّ يستحيلُ أن يكون كذباً؟
قلتُ: هب أنَّ الأمر كذلك، لكن لِمَ لا يجوزُ أن تكونَ هذه الكلماتُ التي نسمعُها مخالفةً لما عليه الشيءُ في نفسه؟. وحينئذٍ يعودُ الإشكال "
أما قوله بعد ذلك: " وهذا الأمر راجع إلى إجماع أهل السنة مع غيرهم على أن الحسن والقبح بمعنى الكمال والنقص كالعلم والجهل عقليان لا خلاف في ذلك "
قلت: قد تقدم دفع هذا من وجهين: من الجهة النقلية: بنقل كلام أساطين علماء الأشعرية، ومن الجهة النظرية.
وهذا نسخ لما قلته أعلاه وهو كاف في الرد:
أما المسلكُ الأول الذي ذكره: فهو أن الكَذِبَ نقصٌ، والنقصُ على الله تعالى محالٌ إجماعاً، وممن ذهب إليه أبو القاسم الأنصاري في شرح الإرشاد (6).
وهذا المسلك نقده العضُد بقوله: " واعلم أنه لم يظهَر لي فرقٌ بين النَّقص في الفعل وبين القُبح العقلي، فإنَّ النقص في الأفعالِ هو القُبح العقليُّ بعينِه! " (7).
وقد ذكر ابنُ الهمام الحنفي في المسايَرة أن هذا ذهولٌ منهم عن محلِّ النزاع في مسألة التحسين والتقبيح، إذ الحسنُ والقبحُ بمعنى صفةِ النقص والكمال يدركهما العقل إجماعاً، فقال: " وقد تقدَّمَ أن محلَّ الاتفاقِ إدراكُ العقلِ قُبحَ الفعل بمعنى صِفَة النقصِ وحسنَه بمعنى صفةِ الكمال، وكثيراً ما يذهلُ أكابرُ الأشاعرة عن محلِّ النزاع في مسألتِي التحسين والتقبيح العقليين لكثرة ما يشعُرُون في النفس أن لا حُكم للعقل بحُسنٍ ولا قبح، حتى تحيَّر كثيرٌ منهم في الحُكم باستحالة الكَذِب عليه، حتى قال بعضُهُم، ونعوذُ بالله ممَّا قال: لا يتمُّ استحالةُ النقص عليه إلا على رأي المعتزلةِ القائلين بالقُبح العقلي " (8)
قلت: ليس الأمرُ على ما ذَكَر لوجهين:
الأول: أن هذا في محلِّ النزاع، لأن الكلام اللفظي عندهم من مخلوقات الله وأفعاله، وليس من صفاته الذاتية التي لا خلاف في إدراك العقل للكامل منها والناقص (9).
الثاني: أن الذُّهُول إنما يتصوَّر من إمام منهم أو إمامينِ، أما إذا تتابُع كبار أئمَّة المذهبِ من لدن أبي الحسن الأشعري إلى العَضُد فمن بعده على أنَّ الكذب ليس قَبيحاً لذاته فهذَا يدلُّ على القصد، أمَّا من قال بخلافِه فهو غيرُ محققٍ لمذهبهم في المسألة.
قال أبو الحسنِ الأشعريُّ: " لا يجوزُ على الله الكذبُ، ليس لقُبحه، ولكن لأنَّهُ يستحيلُ عليه الكذبُ، ولا يجوزُ أن يوصفَ بالقُدرة على أن يكذبَ، كما لا يجوزُ أن يُوصَف بالقُدرة على أن يتحرَّك ويجهَل.
ولو جازَ لزاعمٍ أن يزعم أنه يوصفُ الباري بالقدرة على أن يكذب ولا يوصفُ بالقدرة على أن يجهل ولا يأتي بين ذلك بفُرقانٍ، لجازَ لقالبٍ أن يقلب القصَّة، فيزعُم أن الباري يوصفُ بالقدرة على أن يجهلَ ولا يوصف بالقدرة على أن يكذبَ، فلما لم يجز ذلكَ بطل ما قالُوه " (10).
وقال أبو بَكر الباقلاني: " فإن قال قائلٌ: هل يجوز وقوعُ الكذب منه تعالَى؟.
قُلنا: أما الكذب فلا يجوزُ عليه، لا لأنَّهُ يستقبَحُ منهُ، ولكن لأن الوصفَ له بأنَّهُ صادقٌ من صفاتِ نفسه، ومن كان صدقُه من صفات نفسه استحالَ عليه الكذب، كما أنَّ من كان الوصف له بأنه قادرٌ عالم من صفاتِ النفس استحال أن يعجَز ويجهَل، وليس وجهُ استحالة هذه الأمور عليه لأجلِ القُبح، لكن استحالتُها عليه بأدلَّة العُقُول " (11).
فقد صرحا بأن عدم جواز وقوعه ليس لقبحه!
فهل تستطيع أيها (الجويهل) أن تدفع هذا وتقرر دليلاً على صدق الله تعالى - سواء في الكلام النفسي أو اللفظي -؟!
¥