تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وهناك مسلك رابع ذهب إليه القرافي فقال: " لا يلزمُ من التجويزِ على الله تعالى ألا يُجزَمَ بعدم الوقُوع، فكم من شيء اتَّفَق العُقلاء على تجويزِه، وقطعُوا بعدمِ وقُوعه، كما يجوزُ على الله تعالى أن تكونَ الأنهارُ الغائبَةُ عنَّا زيتاً أو عَسَلاً، ونقطعُ بأن ذلك ما وقَع، وأن هذه المشايخ التي نراها وُلِدت شيوخاً كذلِك، ونقطعُ بأنها ما وُلِدت أطفالاً، ونظائرُه كثيرة؛ وكذلك نقطعُ بأنَّ الله تعالى ما خلَقَ هذهِ الأصواتِ في جبريل عليه السلام في الرَّسائل الربانية إلا مُشتمِلَةً على المصالِح، مطابقةً لمدلولاتها بقرائنِ الأحوال من عَوائد الله تعالى، لا من جهةِ العقل، فكذلكَ يجُوز ذلك عقلاً، ونقطعُ بأنه ما وقَع، ونجزِمُ بوعده تعالى ووعيدِه وجميع أخباره " (18).

ففي كلامه الرجُوع في نفي الكذب إلى عوائدِ الله تعالى، وهذا المسلك يرجعون إليه في نظائرِ هذه المسألة، كعدَمِ أمر الله تعالى بالفواحِش، ومنع إظهار المعجزة على يدِ الكاذِب.

وهذا المسلكَ مُنتقدٌ لا يستقيمُ، قال المقبلي: " يقال لهم: العادةُ مأخوذة من العَودِ، فأوَّلُ جُزئيٍّ من هذه العادة هل نُظِر فيه إلى ذلك الفِعل ورُجحانه قبل جري العادة أم لم يُنظر؟ إن لم يُنظَر فهو اتفاقيٌّ، وإن نُظِر فذلك الوجهُ مُستقلٌّ بالبعث على الفعلِ بدونِ جريِ عادةٍ، وهو ما أرَدنا بالحُسن والقُبح في الفعلِ والترك مثلاً، وكذلك كُلُّ جزئيٍّ منه أو من غيره " (19).

" فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ لَا عَلَى صِدْقِهِ تعالى، وَلَا عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ الْعَيْبِ فِي خِطَابِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يُنَزِّهُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَفْعَالِ، وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ عَدْلَهُ وَلَا حِكْمَتَهُ وَلَا رَحْمَتَهُ وَلَا صِدْقَهُ " (20).

" وليتأمَّل اللبيبُ الفاضِلُ ماذا يعودُ إليه نصر المقالات والتعصُّبُ لها، والتزام لوازمها، وإحسان الظن بأربابها بحيثُ يرى مساويهم محاسنَ، وإساءةُ الظن بخصُومهم بحيث يرى محاسِنَهُم مساوىء، كم أفسدَ هذا السُّلُوك من فطرة، وصاحبها من الذين يحسبُون أنهم على شيء، إلا إنَّهم هم الكاذبون! " (21).


(1) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/ 245 - 246).
(2) المحصول (1/ 129).
(3) نفائس الأصول (1/ 366).
(4) نفائس الأصول (1/ 366).
(5) مفتاح دار السعادة (2/ 477 - 478)، أقول: ولذلك جعل الشيخ الرافضي جعفر سبحاني - وهو معاصر - امتناع الكذب على الله تعالى دليلاً على إثبات التحسين والتقبيح، فحتى هؤلاء - الذين هم أركس الناس فطرة - لم يجوزا على الله الكذب.
(6) التسعينية (2/ 643 - 644).
(7) المواقف في علم الكلام (3/ 131).
(8) المسامرة بشرح المسايرة ص204 - 205.
(9) انظر لزاماً العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ (164 - 165).
(10) اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع ص75.
(11) التمهيد ص343، وقد تقدم أيضاً كلام الغزالي في هذا المعنى، والجويني قرر أيضاً نفس التقرير في الإرشاد.
(12) المواقف في علم الكلام (3/ 132).
(13) المواقف في علم الكلام (3/ 132).
(14) الجواب الصحيح (6/ 397).
(15) درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح ص98.
(16) التنكيل (2/ 247).
(17) ولذلك إن وجدت لبعضهم أنه يمتنع على الله الكذب في العبارات الدالة على الكلام النفسي، فإنما يعنون القرآن العربي، والعبارات الدالة عليه – عندهم - أعم منه، لذلك لا يناقض هذا ما سلف تقريره من أنهم يجوزون الكذب على الله تعالى في الكلام اللفظي، لأن العام والخاص لا يتناقضان.
(18) نفائس الأصول (1/ 366).
(19) الأرواح النوافخ لآثار إيثار الآباء والمشايخ، المطبوع مع العلم الشامخ ص636.
(20) مجموع الفتاوى (13/ 130).
(21) مفتاح دار السعادة.

الحلقة السابقة (وهي وثيقة الصلة بهذه الحلقة):
تناقضات الأشعرية (10): إثباتُهم أصل الخبر النفسي ببيان جواز الكذب فيه، وإثباتهم صدقه باستحالة الكذب فيه ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=206938)

فائدة:
قال ابن القيم بعد كلامه آنف الذكر:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير