تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير تفصيل بين ما يستحيل وما لا يستحيل، والجهل بالقواعد العقلية التي هي العلم بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وباللسان العربي الذي هو علم اللغة والإعراب والبيان" (14).

وفي ما ذكره وقفات لا بد منها:

الوقفة الأولى: أن هذه الأصول السبعةَ التي ذكرها ليسَت من جنسٍ واحد، بل منها ما هو مقالاتٌ قالت بها بعض الفرق، وهي القول بالإيجاب الذاتي والتحسين العقلي والربط العادي، ومنها أسباب نفسية أو اجتماعية أو (بيئيَّة) للكفر والبدع وهي التقليدُ الرديءُ والجهلُ المُركَّبُ، فلا يصلح أن يُجعَل ما هو من الجنس الأول قسيماً لما هو من غير جنسه.

الثانية: أن فيها تكراراً، لأنه ذكر الجهلَ المُركَّبَ، وذكر بعده الجهلَ بالقواعد العقلية واللسان العربي، وهما من أنواع الجهل.

الثالثة: أنه قال في الشرح: " يعني أن اعتقاد واحد من هذه الأمور قد ينشأ عنه كفر مجمع عليه وقد تنشأ عنه بدعة يختلف في كفر صاحبها " (15)، وهذا يدلك أن ما ذكره ليس كفراً أو بدعة في نفسه، وإنما هو سبب لكفر أو بدعة، وهذا ينبغي التنبه إليه.

الرابعة – وهي المقصد -: أنه خرَم بذكره بعضَ الأصول قاعدَتَهم في أنَّ التكفير حكمٌ شرعي، وذلك في جعلِهِ القولَ بالتحسين العقليِّ والربط العادي والأخذِ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر والبدع!

أما الأول فقد بينه بقوله: " وهو كونُ أفعالِ الله تعالى وأحكامِه موقوفةً عقلاً على الأغراضِ، وهي جلبُ المصالح ودرءُ المفاسد "، والغرضُ لفظٌ يريدُ به الأشعريَّةُ نفيَ حكمةِ الله تعالى عن أفعالِه، وهذه المسألةُ راجعةٌ إلى نفيهم الأفعالَ الاختياريَّة وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى.

فمن أين له في كتابٍ أو سُنةٍ – وهما طافحان بإثبات العلل والحكم لأفعال الله تعالى - أنَّ التحسينَ العقليَّ أصلٌ من أصولِ الكفرِ والبدع؟!

بل لو قُلِبَ ذلكَ عليهم وقيلَ إن نفيَهُم للتحسين العقلي والحكمةِ والتعليلِ أوقعَهُم في بدعٍ كثيرة وتناقضاتٍ خطيرة، كتجويزِهم التسويةَ بين المؤمنين والكافرين في الجزاءِ على الله الحكيم العادل القائل: ? أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ? [القلم: 35 - 36] وغير ذلك، لما كان ذلك بعيداً.

أما الثاني وهو الربطُ العاديُّ، وعرَّفه بقوله: " إثباتُ التلازمِ بين أمرٍ وأمرٍ وجوداً وعدماً بواسطَةِ التكرُّرِ "، فهذه المسألةُ فرعٌ عن قولِ الأشعرية في الأسبابِ والطبائع، إذ نفوا تأثيرها بحُجة أن ذلك معنى توحيدِ الله تعالى في أفعاله، قال الشيخ أحمدُ الدَّردِير في ذكره لصِفَاتِ الله تعالى في خَريدَتِه:

.................... وحدانيةْ =في الذَّاتِ أو صِفَاتِهِ العليَّةْ

والفِعلِ، فالتأثيرُ ليسَ إلا=للواحِدِ القَهَّار جلَّ وعَلا

ومن يَّقُل بالطَّبعِ أو بالعلَّةْ= فذاكَ كُفرٌ عند أهلِ المِلَّةْ

ومَن يَقُل بِالقُوَّةِ المُودَعَةِ =فَذَاكَ بِدْعِيٌّ فلا تَلتَفِتِ

قال في الشرح: " يعني أنَّهُ تعَالى مُتَّصفٌ بوحدانيَّةِ الأفعالِ، فليس ثمَّ مَن له فعلٌ من الأفعال سِوَاهُ تعالَى، إذ كُلُّ ما سِوَاهُ عاجزٌ لا تأثيرَ له في شيءٍ من الأشياء.

فلا تأثيرَ للنار في الإحراقِ، ولا للطَّعامِ في الشَّبَعِ ولا للماء في الرّيِّ، ولا في إنباتِ الزَّرعِ، ولا للكواكبِ في إنضَاجِ الفواكِه وغيرِهَا، ولا للأفلاكِ في شيءٍ من الأشياء، ولا للسِّكِّين في القطعِ، ولا لشيءٍ في دفع حَرٍّ أو بردٍ أو جلبِهِمَا وغيرِ ذلك، لا بالطَّبعِ ولا بالعلَّةِ ولا بقُوَّةٍ أودَعَهَا اللهُ فِيها، بل التأثيرُ في ذلك كُلُّهُ لله تعالى وحدَهُ، بمحضِ اختيارِهِ عند وُجُودِ هذه الأشيَاءِ " (16).

وهم لم يأتوا على قولهم في تكفير أو تبديع من قالَ بأنَّ الأسبابَ تؤثُّر لكن دون استقلال بدليلٍ نقلي، فنقضوا ما زعموه من أن التكفير حكمٌ شرعيٌّ، وشبهتُهم في ذلك أن إثبات التأثيرِ يلزم منه الشرك، وهي شبهةٌ واهية.

قال ابنُ القيم: " وأما الوقوفُ مع الأسباب واعتقادُ تأثيرها فلا نعلمُ من أتباعِ الرُّسُلِ من قال: إنَّهَا مستقلَّةٌ بأنفُسِها، حتى يُحتاجَ إلى نفي هذا المَذهب!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير