تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً: إنَّ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، حين نسب الحركة إلى الله تعالى، لم ينسبها ابتداءً، بل نسبها وهو يرد على جهالات الجهمي الذي يناقشه، حيث كان من معتقد هذا الجهمي، إنَّ معنى:" الحي القيوم ". هو الذي لا يزول من مكانه، ولا يتحرك، فأراد الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن ينفي عن الله تعالى صفات:" الميت ". والذي هو مؤدى كلام هذا الجهمي، فقال: (ص20).

" وأمَّا دعواك أنَّ تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه، ولا يتحرك، فلا يقبل منك هذا التفسير إلاَّ بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه أو التابعين، لأنَّ الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأنَّ أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كلُّ حي متحرك لا محالة، وكل ميت غير متحرك لا محالة ".

ومن هنا يتبين لنا أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، هو الرد على هذا الجهمي الذي مؤدى كلامه، أنَّ الله تعالى ميت لا حركة له، ومن هنا جاءت عبارة الإمام واضحة في الدلالة على هذا المعنى حيث قال:" وكل ميت غير متحرك لا محالة ". لا أنَّه ينسب – ابتداءً – الحركة إلى الله تعالى.

2 – ولا شك على أنَّ مقصود الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، هو نسبة الفعل إلى الله تعالى، ولا شكَّ على أنَّ هذا المعنى صحيح لا غبار عليه، فإنَّ من معاني:" الحي ". أنَّه يتحرك وينزل ويصعد، ويفعل ما يشاء، و هذا معروف معلوم عند العقلاء جميعاً، وفي ذلك يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه خلق أفعال العباد ما نصه: (ص71).

" ولقد بيَّن نعيم بن حماد أنَّ كلام الرب ليس بخلق، وأنَّ العرب لا تعرف الحي من الميت إلاَّ بالفعل، فمن كان له فعلٌ فهو حيٌ، ومن لم يكن له فعلٌ فهو ميت ".

نعم إذا كان إنكاركم على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى، استخدام هذه اللفظة - اي الحركة - ونسبتها إلى الله تعالى، وأنَّه ما ينبغي أن يوصف بها الله تعالى، ذلك لأنَّها لم ترد في كتاب ولا سنة.

نقول إن كان هذا مقصودكم في الإنكار على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى هذا المعنى، قلنا نحن معكم في هذا الأمر، ما كان على الإمام الدارمي رحمه الله تعالى أن يستخدم هذه اللفظة، بل ونزيدكم أنَّ الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد خطأ الإمام الدارمي رحمه الله تعالى قبلكم، حيث قال ما نصه في مجموع الفتاوى: (16/ 422).

" ولا ريب أنَّه العلي الأعلى العظيم، فهو أعلى من كل شيء وأعظم من كل شيء، فلا يكون نزوله إتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به، أو تكون أعظم منه وأكبر هذا ممتنع، وأمَّا لفظ:" الزوال ". و:" الانتقال ". فهذا اللفظ مجمل ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال، فعثمان بن سعيد الدارمي وغيره أنكروه على الجهمية قولهم: إنَّه لا يتحرك، وذكروا أثراً أنَّه لا يزول، وفسَّروا الزوال بالحركة، فبين عثمان بن سعيد أنَّ ذلك الأثر إن كان صحيحاً لم يكن حجة لهم في تفسير قوله: [الحيُّ القيوم]. ذكروا عن ثابت: دائم باقٍ لا يزول عمَّا يستحقه كما قال ابن إسحاق، لا يزول عن مكانته.

قلت – أي شيخ الإسلام -: و الكلبي بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول: [استوى على العرش]. استقر، ويقول: [ثُمَّ استوى إلى السماء]. صعد إلى السماء، وأمَّا:" الإنتقال ". فابن حامد وطائفة يقولون: ينزل بحركة وانتقال، وآخرون من أهل السنة من أصحاب كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا وقالوا: بل ينزل بلا حركة وانتقال، وطائفة ثالثة كابن بطة وغيره يقفون في هذا، وذكر الأقوال الثلاثة أبو يعلى في كتاب:" اختلاف الروايتين والوجهين ونفي اللفظ بمجمله ". والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير