تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل هذا تأويل لا حاجة إليه وإخراج للفظ عن حقيقته والصواب أن نسبة الاستطابة إليه سبحانه كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات المخلوقين وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعاله لا تشبه أفعالهم قاله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب والله أعلم.

وفي سلسلة الأسماء والصفات لمحمد الحسن الددو الشنقيطي:

قال: وإنما يذكر هنا ما كان صفة صريحة جاء بها النص أو كان متعلقاً بصفة جاء بها النص ولو لم تذكر تلك الصفة، فقوله: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، هذا ليس تصريحاً بصفة، لكنه تصريح بمتعلق صفة لم تذكر، فالشم صفة لم تثبت بلفظها لكن متعلق هذا ذكر في هذا الحديث، بخلاف ما جاء فيه أفعل من غير هذا مثل: أثقل عند الله، أو أرجح عند الله من كذا، فهذا المقصود به في الميزان الذي عند الله، فهو ليس متعلقاً بصفات الله، مثل المقصود بالعندية هنا، فالعندية بمعنى القرب في الميزان يوم القيامة فقط، ولذلك فلابد من النظر إلى دلالة الصفة على متعلقها سواءً ذكرت الصفة أو ذكر متعلقها فقط. الخ

وفي صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة (1/ 28) قال علوي بن عبد القادر السَّقَّاف: اسْتِطَابَةُ الْرَّوَائِحِ صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنَّةِ الصحيحة.

الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (ولخلوف فم الصائم أطيب

عند الله من ريح المسك) رواه البخاري (5583) ومسلم (1151)

ثم نقل قول الحافظ ابن القيم في (الوابل الصيب) ونقل قول الشيخ علي الشبل في كتاب (التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري) (ص36) - والذي قَرَّظه عددٌ من العلماء وفي مقدمتهم الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله -.

وقد أجاد في تسميتها استطابة الروائح ولم يقل صفة الشم ..

وفي الختام لي مسألتين:

الأولى: أن مناقشة هذه المسألة ليست من التنطع الذي نهينا عنه إذ في المسألة نص صحيح، وهو وإن لم يكن صريحا في اثبات صفة الشم فهو صريح في اثبات صفة الاستطابة كما بينه ابن القيم جريا على قاعدة أهل السنة من السلف الصالح في رد التأويل المؤدي الى التعطيل في الصفات واثباتها بلا تشبيه أو تمثيل ..

كما أن مدارسة آيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هي العلم الشرعي تقيدا بأدواته، فلا حرج من طرح الموضوع أصلا ونقل الأقوال فيه.

الثانية: أن اثبات صفة الاستطابة مقرونة باستطابة الروائح كما هو نص هذا الحديث لا نتعداه ..

ففيه " لخلوف فم الصائم " وهو مشموم، وفيه " ريح المسك " وهو مشموم أيضا ..

فلا يقال الاستطابة على عمومها إذ قد يدخل فيها استطابة المطعوم والله منزه عن ذلك لأنه منزه عن الطعام والشراب بنص الكتاب الكريم ..

فالتقيد بنص الحديث يكون لفظا ومعنا، فنقول ثبت بهذا الحديث صفة الاستطابة لفظا وتخصص باستطابة الروائح ..

وقد ناقش شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى موضوع اثبات الحواس الخمسة للباري [وهي السمع والبصر واللمس والشم والذوق] وذكر كلام العلماء بين المنع والقبول وهل اثباتها من صفات الكمال أم لا .. وذكر أن أهل الحديث يثبتون اللمس مع السمع والبصر دون الشم والذوق ..

قلت: نفي صفة الذوق مع أنها من الحواس الخمسة والتي هي صفات كمال إنما يتم نفيها لنص آخر صحيح وهو أن الله يطعم ولا يطعم كما هو ظاهر اللفظ القرآني لأن الحاجة الى الطعام نقص في كمال الإله، فلا يمنع من اثبات الحواس الأربعة إذ ليس فيها ما في الأخير .. هذا إذا ثبت دليل صريح وصحيح في صفة اللمس ..

وابن القيم اختار ظاهر نص الحديث هنا مع تسميته بالاستطابة دون تسميته بالشم وقوفا مع نص الحديث ..

وإن كانت صفة الشم من لوازم صفة الاستطابة إلا أن الوقوف مع ظاهر اللفظ يمنع من اثبات صفة صريحة باسم الشم أو نفيها .. وهو المرجح مما نقلناه أعلاه ..

ونستغفر الله سبحانه من الخوض فيما لا نعلم ..

ومن كان عنده فائدة في هذا البحث فليتحفنا بها مشكورا ..

ـ[محمد بن عبدالله العبدلي]ــــــــ[17 - 04 - 10, 08:51 ص]ـ

جزاك الله خيرا

ـ[عادل القطاوي]ــــــــ[17 - 04 - 10, 02:44 م]ـ

شكر الله لك أخي محمد ..

ومما حقه الاضافة هنا:

أن ادعاء أن الامام ابن عبد البر قال مثل قول المازري أي أنه مجاز دعوى باطله يرد عليها كلام ابن عبد البر نفسه ..

إذ نسب اليه القول بالمجاز ابن حجر ومن تبعه ناقلا عنه ..

وهذا كلام ابن عبد البر:

قال في التمهيد (13/ 138):

ومعنى قوله "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" يريد أزكى عند الله وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك. اهـ

وقال في الاستذكار (3/ 375):

وقوله أطيب عند الله من ريح المسك يريد أزكى عند الله وأقرب إليه من ريح المسك عندكم يحضهم عليه ويرغبهم فيه. اهـ

فحاصل كلامه تفسير معنى كلمة أطيب بـ أزكى ..

ولم يأت عنه تأويل أو قول بالمجاز أو نفي أو إثبات لهذه الصفة ..

هذا ما ظهر لي من كلامه رحمه الله تعالى ..

ومعلوم أن منهج ابن عبد البر في الأسماء والصفات متبع فيه لمنهج السلف على الاجمال كحديث النزول والاستواء على العرش وغيره ..

وأقول على الاجمال لأن له كلام في معنى صفتي الغضب والحب على ما أذكر ..

والله أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير