لقد حاول بعض الناس ممن تقف كتب ابن تيمية أمامهم سدا منيعا استغلال هذه المطاعن، و الترويج لها باسم ابن حجر، مع أن ابن حجر لم يذكرها مسندة، بل وذكر ما يناقضها من فضائل ابن تيمية إلا أن هؤلاء استغلوا مكانة ابن حجر و اسمه لإذاعة هذه المطاعن خاصة الشيعة.
وكما قال السبكي: ((كتب التاريخ مملوءة بالجهل و التعصب)) فلننظر في هذه المطاعن بحيادية، و نخلص بعدها إلى نتيجة علمية موضوعية تعيد الحقوق إلى أهلها، و تبيّن حال بعض أهل العلم عندما تصطدم عقائدهم و منافعهم مع الأمانة العلمية.
نقد منهج ابن حجر في ذكر هذه المطاعن:
1 ـ لم يذكر ابن حجر من قال هذا الكلام، ومن أي كتاب أخذه، لأنه بالتعرف على صاحب هذا القول من خلال ترجمته نعرف دوافعه و مصادره وسنده، و هذا الشرط يبطل مطاعن ابن حجر في (الدرر الكامنة) من أصلها، إذ بعدمه تفقد أية قيمة علمية عند أصحاب المنهج العلمي و التحقيق الموضوعي.
ولقد أشار إلى هذا الضعف فيما نقله الحافظ من مطاعن المؤرخ البارع نعمان الألوسي في كتابه (جلاء العينين) (1/ 73) عندما قال:
((كان ينبغي من ابن حجر أن يعزو هذا الكلام إلى الكتاب الذي نقله منه ونسبه إلى ابن تيمية، ثم نظر بعين التدبر والإنصاف إليه على تقدير صحته بهذه العبارة فهل يقتضي هذا التهور العظيم والطعن الوخيم! وسيقف بحوله سبحانه على تفصيله كالدر النظم.)).
وقال أيضاً (1/ 81): ((فإذا وعيت ما تلوناه عليك تبين لك أن حكاية من رمى الشيخ ابن تيمية باستنقاصه للصحابة ذوي النفوس الزكية كلام ولا أصل له ولا أساس؛ بل هو من عمل من يوسوس في صدور الناس فنعوذ بالله من سر الوسواس الخناس. والحمد لله وحده.
وبه أيضاً تبين للمصنف وكلامنا معه أن ما نسبه الشيخ ابن حجر إلى شيخ الإسلام من سوء الاعتقاد في أكابر الصحابة الكرام لا أصل له.،وكذا أغلب ما نسب إليه كما ستقف - إن شاء الله تعالى عليه.)).
النقد الثاني:
لترجمة العلماء و نقل مذاهبهم شروط علمية واضحة متى افتقدها المؤرخ سقط نقله، ومعه حجيته،،وحتى أبيّن مجانبة ابن حجر لشروط ترجمة العلماء و نقل مذاهبهم، و افتقاده إلى الموضوعية و الحياد في هذه القضية أذكر الشروط التي ذكرها خصوم ابن تيمية في هذا الباب، وهل وفوا بها عندما ترجموه أم هي شروط وضعوها للدفاع عن طائفتهم فقط؟!
قال تاج الدين السبكي في (طبقات الشافعية الكبرى) (2/ 22):
((إن أهل التاريخ ربما وضعوا من أناس ورفعوا أناسا إما لتعصب، أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك من الأسباب.
والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل، وكذلك التعصب، قل أن رأيت تاريخا خاليا من ذلك.
والرأي عندنا (السبكي) أن لا يقبل مدح، ولا ذم من المؤرخين إلا بما اشترطه إمام الأئمة - والده - حيث قال يشترط في المؤرخ:
1 - الصدق.
[قلت: لا صدق بدون السند و العزو إلى المصدر]
2 - إذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى.
[ما نقله ابن حجرمما اقتطع من كلام ابن تيمية ذكره بالمعنى]
3 - وأن يكون ذلك الذي نقله أخده في المذاكرة، وكتبه بعد ذلك.
4 - وأن يسمي المنقول عنه، فهذه شروط أربعة فيما ينقله.))
[قلت: أي عند الترجمة بالرواية، وابن حجر لم يفعل هذا، فلم يذكر عمن نقل ومن أي كتاب]
ثم قال:
((ويشترط فيه أيضا: لما يترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطول في التراجم من النقول ويقصر. [الترجمة بالاجتهاد و الاستنباط]
1 - أن يكون عارفا بحال الترجمة، علما ودينا وغيرهما من الصفات.
2 - أن يكون حسن العبارة، عارفا بمدلولات الألفاظ.
3 - أن يكون حسن التصور، حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه، ولا تنقص عنه.
4 - أن لا يغلبه الهوى فيخيل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه، والتقصير
في غيره.
.... وأصعب هذه الشروط الاطلاع على حال الشخص في العلم، فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعرف مرتبته)).
قلت: أكثر هذه الشروط مفقودة فيما نقله ابن حجر من مطاعن.
قال ابن حجر في (لسان الميزان) (1/ 16):
((وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد.))
¥