قلت: يتبين من هذا النقل أن ابن تيمية ينطلق في نقده ابن تومرت وذمه من موقف علمي صحيح يرتكز على دراسة كاملة لكتب ابن تومرت، بينما بعض من ترجم ابن تومرت و مدحه كالسبكي لا يعرف كل كتبه، ولا يظهر من ترجمته أنه اطلع عليها، بل ينقل عن غيره.
و شتان بين من يحكم على الناس من كتبهم، وبين من يحكم لهم لمجرد أنهم نفاة الصفات حتى ولو كانوا شيعة يقولون بعصمة الإمام، ودجاجلة يدعون المهدوية، ومبتدعة يزيدون في الآذان كما صح عن ابن تومرت.
قال ابن تيمية في (الفتاوى المصرية) (1/ 97):
((حتى ادعى ابن تومرت المغربي صاحب (المرشد) أنه المهدي صار طائفة من الغلاة في مشايخهم يعتقدون لهم العصمة بقلوبهم أو يقولون إنه محفوظ والمعنى واحد ولو أقر بلسانه عاملة بالعصمة بقلبه فهؤلاء إذا اعتقدوا العصمة في بعض العوام كييف لا يعتقدون ذلك في الأنبياء، فإن كان من المسلمين من اعتقد أن الأنبياء أفضل من شيخه وإمامه وهو يعتقد عصمة شيخه فهو يعتقد عصمتهم بطريق الأولى وإن كان من الزنادقة الذين يعتقدون أن الشيخ أفضل من النبي كما يقوله المتفلسفة والشيعة وغلاة الصوفية لاتحادية.))
وقال في (منهاج السنة) (4/ 99):
((وأصحاب ابن تومرت الذي ادعى أنه المهدى يقولون إنه معصوم ويقولون في خطبة الجمعة الإمام المعصوم والمهدي المعلوم ويقال إنهم قتلوا بعض من أنكر أن يكون معصوما ومعلوم أن كل هذه الأقوال مخالفة لدين الإسلام للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها .... ))
قلت: ذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (20/ 217) أن القاضي عياض قتله أتباع ابن تومرت بالطعن بالرمح لأنه أنكر عصمته، قال: ((بلغني أنه قتل بالرماح لكونه أنكر عصمة ابن تومرت.))
وقال ابن تيمية في (إبطال الحيل) (2/ 179):
((ولهذا كان المغاربة الذين اتبعوا ابن التومرت المتبع لأبي المعالي أمثل وأقرب إلى الإسلام من المغاربة الذين اتبعوا القرامطة وغلوا في الرفض والتجهم حتى انسلخوا من الإسلام فظنوا أن هذه الأصول التي وضعوها هي أصول الدين الذي لا يتم الدين إلا بها , وجعلوا الصحابة حين تركوا أصول الدين كانوا مشغولين عنه بالجهاد))
قلت: هنا يبيّن ابن تيمية أن ابن تومرت كان متبعا لأبي المعالي، ومعلوم أن أبا المعالي في (الشامل) أقرب إلى المعتزلة منه إلى الأشاعرة، فهو أول من أدخل الفلسفة و التعطيل في عقائد الأشعرية، ومن هذه الحيثية يمكن أن نقول بأنه من الأشاعرة المائلين للاعتزال، بخلاف سلفه كالأشعري و الباقلاني وغيرهما.
وقال ابن تيمية في المصدر نفسه (3/ 201):
((ولهذا اختار كل مبطل أن يأتي بمخاريق لقصد صلاح العامة , كما فعل ابن التومرت الملقب بالمهدي , ومذهبه في الصفات مذهب الفلاسفة لأنه كان مثلها في الجملة , ولم يكن منافقا مكذبا للرسل معطلا للشرائع , ولا يجعل للشريعة العملية باطنا يخالف ظاهرها ; بل كان فيه نوع من رأي الجهمية الموافق لرأي الفلاسفة , ونوع من رأي الخوارج الذين يرون السيف ويكفرون بالذنب.)).
قلت: هذا صحيح، فعقيدة ابن تومرت فيها التعطيل المحض، وهو مذهب الفلاسفة، وعنهم أخذه المتكلمون مثل الجويني و الغزالي الذين تأثرا بكتب ابن سينا كـ (النجاة) و (الشفا) كما صرح بذلك القشيري و الصفدي.
أما كون ابن تومرت كان فيه نوع من رأي الخوارج، فقد ذكره كذلك الشاطبي في (الاعتصام) (1/ 446):
(( .... فمن هنا لا ينبغي للراسخ في العلم أن يقول: هؤلاء الفرق هم بنو فلان وبنو فلان! وإن كان يعرفهم بعلامتهم بحسب اجتهاده اللهم إلا في موطنين:
أحدهما: حيث نبه الشرع على تعيينهم كالخوارج فإنه ظهر من استقرائه أنهم متمكنون تحت حديث الفرق، ويجري مجراهم من سلك سبيلهم فإن أقرب الناس إليهم شيعة المهدي المغربي فإنه ظهر فيهم الأمران اللذان عرف النبي صلى الله عليه و سلم بهما في الخوارج من أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان فإنهم أخذوا أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه حتى ابتدعوا فيه ثم لم يتفقهوا فيه ولا عرفوا مقاصده ولذلك طرحوا كتب العلماء وسموها كتب الرأي وخرقوها ومزقوا أدمها مع أن الفقهاء هم الذين بينوا في كتبهم معاني الكتاب والسنة على الوجه الذي ينبغي وأخذوا في قتال أهل الإسلام بتأويل فاسد زعموا عليهم أنهم مجسمون وأنهم غير موحدين وتركوا الانفراد
¥