((قال أبو المعالي فإن قيل أوضحوا معنى التوحيد قيل مراد المتكلمين من إطلاق هذه اللفظة الوحدانية والحكم بذلك وأبو المعالي كثيرا ما يقول قال الموحدون ويعني بهم هؤلاء وسلك سبيله ابن التومرت في لفظة الموحدين لكن لم يذكر في مرشدته الصفات الثبوتية، كما يذهب إليه أبو المعالي ونحوه لكن اقتصر على الصفات السلبية، وعلى الأحكام، وهذه طريقة المعتزلة والنجارية ونحوهم)).
قلت: من هنا يتبين خطأ السبكي وعدم دقته العلمية حينما قال في (طبقات الشافعية الكبرى) (8/ 183): ((وهذه العقيدة المرشدة جرى قائلها على المنهاج القويم والعقد المستقيم وأصاب فيما نزه به العلي العظيم ووقفت على جواب لابن تيمية سئل فيه عنها ذكر فيه أنها تنسب لابن تومرت وذلك بعيد من الصحة أو باطل لأن المشهور أن ابن تومرت كان يوافق المعتزلة في أصولهم وهذه مباينة لهم انتهى
وأطال العلائي في تعظيم المرشدة والإزراء بشيخنا الذهبي وسيف الدين ابن المجد فيما ذكراه.
فأما دعواه أن ابن تومرت كان معتزليا فلم يصح عندنا ذلك والأغلب أنه كان أشعريا صحيح العقيدة أميرا عادلا داعيا إلى طريق الحق)).
قلت: ابن تيمية كان دقيقا في وصف عقيدة ابن تومرت عندما بين ما أخذه هذا الأخير من عقيدة أبي المعالي الجويني وما تركه، وكيف قلده حتى في التسمي بـ (الموحدين) فإنه لم يذكر في (المرشدة) إلا الصفات السلبية، ولم يثبت شيئا من الصفات الثبوتية، وهذا مذهب المعتزلة لا مذهب الأشاعرة، ولكن السبكي جرى على عادته في مخالفة ابن تيمية ليس إلا.
ثم يتبين أن الذين مدحوا ابن تومرت هم العلائي و السبكي لا ابن تيمية، فإن كان أحد متاثرا به ويحب أن يقلده فهو من يمدحه لا من يذمه، ولا شك أن ابن حجر يعلم ذلك فقد اطلع على (الطبقات الكبرى) يقينا.
وقد مدح ابن رشد ابن تومرت في كتابه (مناهج الأدلة) كما هي عادته في التقرب إلى السلاطين ومداهنتهم و التصنع و التبصبص لهم، خاصة و أن المرابطين المتبعين لطريقة الفقهاء أحرقوا كتبه، و أصبته نكبة عظيمة في عهدهم.
قال ابن تيمية في المصدر السابق (363/ 5):
((قال ابن رشد: وأما ما حصله الإمام المهدي من التصريح بنفي الجسمية فهو الواجب بحسب زمانه .... ولما كانت خاصة الإمام المهدي رفع الاختلاف بين الناس أتى مقررا لنفي الجسمية عنه سبحانه كفر المثبت للجسمية وهو شيء جرى من فعله في الشرع في وقته - وبحسب الناس الذين وجد فيهم - مجرى التتميم والتبيين والله يختص بفضله من يشاء ... ))
وقال في (المنهاج) /84/ 4):
((وأما إذا أخذ يعيب ذلك من يعوض عنه بما هو شر منه كطائفة ابن التومرت الذي كان يدعى فيه أنه المهدي المعلوم والإمام المعصوم إذا ذكروه باسمه على المنبر ووصفوه بالصفات التي تعلم أنه أباطلة وجعلوا حزبه هم خواص أمة محمد صلى الله ليه وسلم وتركوا مع ذلك ذكر أبي بكر وعمر وعثمان وعلى الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان أنهم خير هذه الأمة وأفضلها وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في زمن أفضل القرون ثم أخذ هؤلاء التومرتية ينتصرون لذلك بأن ذكر الخلفاء الأربعة ليس سنة بل بدعة كان هذا القول مردودا عليهم غاية الرد مع ذكرهم لإمامهم ابن التومرت بعد موته فإنه لا يشك من يؤمن بالله واليوم الآخر أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم خير منه وأفضل منه وأن أتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم وقيامهم بأمره أكمل بل ذكر غير واحد من خلفاء بني أمية وبني العباس أولى من ذكر هذا الملقب بالمهدي فإن خلافة أولئك خير من خلافته وقيامهم بالإسلام خير من قيامه وظهورهم بمشارق الأرض ومغاربها أعظم من ظهوره وما فعلوه من الخير أعظم مما فعله هو وفعل هو من الكذب والظلم والجهل والشر ما لم يفعله أولئك فكيف يكون هو المهدي دونهم أم كيف يكون ذكره والثناء عليه.)).
وبهذا التوضيح بنقل كلام ابن تيمية يتبيّن أن هذه التهمة لا يمكن أن تأتي إلا من كاذب حاقد أراد أن يستعدي عليه السلطان بمثل هذه الفرية.
كذلك ممن يؤخذ على الحافظ ابن حجر أنه لم يذكر في كتبه علاقة ابن تومرت بالغزالي، وهي ثابتة مليون مرة على ما نسبه لابن تيمية.
و في الأخير أقول: لقد كان ابن تومرت معتزليا في عقيدته يميل إلى التشيع، يقول بعصمة الإمام، خارجيا أعمل السيف في المسلمين، كذابا زعم أنه من نسل علي رضي الله عنه وهو بربري مصمودي من أهل السوس،وزعم أنه المهدي،دجالا يفتعل المخاريق، مبتدعا مشَعوِذا،، وكم له من بِدَع جَرى بها العملُ كـ: (أَصْبَحُ ولله الحمد) في آذان الصبح، ولا زالوا يقولونها إلى الآن،والتهليل يوم الأحد ليلاً، ويومَ الخميس ليلا قبل صلاة العشاء والصبح.
أخذ عن الكيا الهراسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطرطوشي،قال ابن خلدون (التاريخ) (6/ 226): ((وكان ابن تومرت قد لقي بالمشرق أئمة الاشعرية من أهل السنة، وأخذ عنهم، واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية، والذب عنها بالحجج العقلية الدامغة في صدر أهل البدعة، وذهب في رأيهم إلى تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل، والأخذ برأيهم فيه الاقتداء بالسلف في ترك التأويل، وإقرار المتشابهات كما جاءت .... وكان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأى الإمامية من الشيعة وألف في ذلك كتابه في الإمامة الذي افتتحه بقوله: أعز ما يطلب، وصار هذا المفتتح لقبا على ذلك)).
فالأحرى أن يذم به من مدحه على بدعه، و ارتضى طريقته المخالفة للكتاب و السنة، لا ابن تيمية، و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.
أرزيو/ الجزائر في 28/ 04/2010
مختار الأخضر الطيباوي
¥