(3) أن ثمة فرق بين الباء في (استغثت به) والتي يكون المضاف بها مستغاثاً مَدْعُوَاً مسؤولاً مطلوباً منه، وبالاستغاثة المحضة من الإغاثة التي يكون المضاف بها مطلوباً به لا مطلوباً منه؛ فلفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به، وقول القائل استغث به بمعنى طلبت منه الإغاثة لا بمعنى توسلت به فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ([6]).
(4) كون العبد له قدرة كسبية على بعض الأمور فذلك لا يخرجه عن مشيئة الله تعالى، فلا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله كالإحياء والإماتة والرزق وغير ذلك من العبادات التي يُعدُّ صرفها لغير الله شرك ([7]).
(5) القول بأن الاستغاثة وما شابهها من الأفعال الشركية على سبيل المجاز لا الحقيقة، قولٌ مردود إذ أنّه وعلى التسليم بوقوع المجاز ([8]) فإنّ حد المجاز العقلي لا ينطبق على دعاء الأموات، وندائهم، والاستغاثة بهم، إذا اعتبرنا حال الداعين واعتقادهم؛ فالإسناد الواقع في كلامهم إسناد حقيقي، ولا ينطبق عليه حد المجاز العقلي، ومن المرجحات لذلك اعتقادهم التأثير والتصرف المطلق في الكون فيمن يدعونهم من دون الله ([9]).
وبما سبق يتضح بطلان شبهتي المجاز العقلي والكسب والتسبب.
ــــــــ
([1]) انظر: التعريفات (ص203)، التعاريف للمناوي (ص637).
([2]) انظر: شفاء السقام (ص 254)
([3]) انظر: منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص290 - 294، 272 - 274)، البيان المبدي لشناعة القول المجدي للشيخ سليمان بن سحمان (ص 95)
([4]) انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة والمعروف بالرد على البكري لابن تيمية (ص 90، 92، 124)، غاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي (1/ 330).
([5]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 27)
([6]) انظر: المصدر السابق (ص82 - 83)
([7]) انظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي (1/ 330).
([8]) اختلف العلماء في وقوع المجاز في اللغة وعدمه، وهذا الخلاف جارٍ في المجاز العقلي، فقال قوم: بعدم وقوعه مطلقاً، وقال آخرون: بوقوعه مطلقاً، وفرق قوم فقالوا: بوقوعه في اللغة دون القرآن، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية ’ عدم وقوع المجاز مطلقاً لا في القرآن ولا في اللغة وانتصر له العلامة ابن القيم ’ بأكثر من خمسين وجهاً.
انظر: الإحكام للآمدي (1/ 72 - 79)، الإبهاج شرح المنهاج (1/ 296 - 299)، البرهان للزركشي (1/ 541)، والإحكام لابن حزم (4/ 437)، المسودة في أصول الفقه (ص147)، الإيمان لابن تيمية (ص81)، الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض لأبي الحسن السبكي "مخطوط "، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (ص271)، إرشاد الفحول في علم الأصول (ص51)، المدخل لابن بدران (ص183)، وللاستزادة: منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز للشنقيطي.
([9]) انظر: الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب لقزويني (ص27)، الواسطة بين الله وخلقه عند أهل السنة ومخالفيهم للمرابط الشنقيطي (ص566)
المجاز العقلي ( http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=979) : عجلان بن محمد العجلان
ـ[أبو نسيبة السلفي]ــــــــ[03 - 05 - 10, 08:51 م]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم .. لقد ذكر أحد الاخوة في الرابط الاصل النكتة المفيدة التالية:
((وعجبا من ألئك الذين يجعلون ألاستغاثة بمعنى التوسل لأنه يكون على ذلك معنى قوله تعالى {اذ تستغيثون ربكم ... الاية} اي اذ تتوسلون بربكم! تتوسلون بربكم الى من؟!!))
وهذا مقال مفيد في صلب الموضوع:
القبوريون دعوى دعاء غير الله بدون اعتقاد الالوهية أو التأثير استقلالاً لايعتبر شركاً ( http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=90120)
ـ[أبو عبدالله بن جفيل العنزي]ــــــــ[04 - 05 - 10, 12:41 ص]ـ
وللفائدة نقول لهؤلاء المدّعين المجاز العقليّ: إذا كان إدخال المجاز جائزاً لديكم في الأدعية وفي النداء، وفي كل الأقوال المعبرة عن الاعتقاديات، وعن الديانات؛ فهل ترون أن هذا جائز بلا قيد ولا شرط في هذه المسائل؟! بحيث يدخل المجاز في كل قول وفي كل دعاء ما دام مقبولاً في قانون البلاغة وعلوم المجاز؟ أم أنتم لا تدعون هذه الدعوى ولا تذهبون هذا المذهب، فلا تطلقون جواز المجاز في جميع أقوال العبادات؟!
إنه لا فرار لكم من اختيار أحد المذهبين، وأيًّا اخترتم فقد خصمتم ولا ريب.
فإن اخترتم الرأي الأول: وزعمتم أن المجاز جائز مطلقاً بلا قيد ولا شرط في كل كلام ومقال؟!
قيل لكم: هذا باطل بالإجماع والضرورة، فإنه لو كان صحيحاً حقاً لما استطعنا أن نخطيء ولا أن نعارض من قال مثلاً عيسى هو ابن الله، أو قال علي بن أبي طالب هو خالق محمد عليه السلام .. وذلك أن هنالك مجاز الحذف، فيريد بقوله عيسى هو ابن الله أي ابن أَمَةِ الله مريم، وبقوله عليٌّ خالقُ محمد أنه عبْدُ خالِقِ محمدٍ.
أي أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه؟!!!!
وبهذا التأويل تصبح هذه الأقاويل من أقاويل المؤمنين الصحيحة المقبولة: التي لا اعتراض عليها ولا ضلال فيها، وهكذا يتسع الخرق حتى يصير الكفر إيمانًا، والبهتانُ عِرفانًا، وينقلبَ الحقُّ ضلالاً وعُدوانًا؟!!!
وهذا يقضي بألا يؤخذ قائل بمقال، ولا متكلم بكلام، ولا شك أن هذا لا يبقى معه قولٌ مُحرّمٌ قطّ لأنّ كلّ كفرٍ وشركٍ فإنه يمكَنَ لقائله أن يخرج منه بمثل هذه الدّعوى ـــ من المجاز واتّساع اللغة!!! ـــ فلا يبقى على وجهِ الأرض ما يقالُ فيه: كُفرٌ؟!!! وهذا أعظم الضلال وأبينُهُ.
وإن اخترتم الرأي الثاني: وقلتم أنه ليس كل ما صحّ مجازاً صحّ ديناً بل من المجازات ما هو ضلالات وغوايات، ومنه ما الذهاب إليه إثم كبير، وذنب لا يجوز للمسلم اقتحامه، بل ومنه ما هو كفرٌ بواحٌ وردّةٌ عن دين الله تعالى.
قيل لكم: إذن هذا المجاز الذي زعمتموه وأجريتموه .. هو إثم وباطل وضلال بل وشِركٌ بالله العظيم بالدلائل المتضافرة من الكتاب والسنة والإجماع.
فلا يبقى لكم حجة في دعوى المجاز العقلي بحال، والله الموفق.
¥