تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يَخفَى عَليكم قِصَة (أبي موسى الأشعَري) –رَضي اللهُ عَنه- عِندما رأى قومًا حِلَقًا جُلوسًا يَنتَظِرون الصَّلاة، في كُلِّ حَلَقَةٍ رَجُل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كَبَّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سَبِّحُوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. فأخبَرَ (عَبْدَ اللهِ بن مَسعود) –رَضيَ اللهُ عَنه- بِذَلِك؛ فأنكَرَ عليهم ذَلِك إنكارًا شَديدًا، وقال لَهم: "عُدوا سيئاتِكم، فأنا ضامِنٌ أن لا يَضيع مِن حسناتِكم شئٌ، وَيْحَكُم يا أمَّة مُحمَّد ما أسرَع هَلَكَتَكُم، هؤلاء صحابَة نَبيِّكم (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُتوافِرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ وآنيَتُه لم تُكسَر، والذي نَفسي بيَدِه؛ إنَّكم لَعَلى مِلَّةٍ أهدَى مِن مِلَّة مُحَمَّدٍ أوْ مُفتَتِحُو بابِ ضَلالة؟! ".

قالوا: واللهِ يا أبا عَبْدَ الرَّحمَن؛ ما أردنَا إلا الخَير! قال: وكَم مِن مُريدٍ للخَير لن يُصيبَه! إنَّ رَسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) حَدَّثنَا أن قَومًا يَقْرءون القُرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهُم؛ وايمُ اللهِ ما أدري لَعَلَّ أكثرَهم مِنكم! ثم تولَّى عَنهم.

فقال (عمَرو بن سَلَّمة) –وهو أحدُ الرواة-: رأينَا عامَّةَ أولئِكَ الحِلَقِ يُطاعِنُونَا يَومَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخَوارِج. [رواه الدارِمي: (204)].

فانظر –رَحِمَك اللهُ- إلى البِدْعَة وأثرِها السييء؛ لا على صاحِبِها فَحَسبُ؛ بل علي عُموم الأمَّةِ الإسلامية!

وتَدَبَر –أخي- كيف أنكَر (عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسعودٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه- عِبادَةً (التَّكبير والتَّهليل والتَّسبيح) بِكَيفيةٍ لم يَفعلْها رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم)، رَغم أنَّ أصلَ العِبادَةِ مَشروعٌ! فكيف بما يتَّخِذُه المُكَلَّفُ عِبادَةً ولا أصلَ له في الشَّرع ألبتَة "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة"؟!!

وهذا الأثَرُ السَّابِق –الذي سُقتَه لَك باختِصار- حَوَى فوائِد ودُرَرًا جَمَّة؛ تَجِدُها في كِتاب «البِدْعَة وأثرُها السَّييء على الأمَّة» / للشيخ (سليم الهلالي) –أثابَه اللهُ تَعالَى.

تنبيه وفائِدَة:

لقد استَهَلَ الأخُ (الحَسن) كلامَه بِقَولِه: "يا سُبحان الله!! "؛ و"سُبحان" ليس مِن أسماءِ اللهُ الحُسنَى؛ ولِذا لا يجوز أن نَتَعبَدَ اللهَ بِهذا الاسم. أمَّا إضافَتُه لِلَفظ الجلالة "الله" بَعد سَبْقِه بياء النِّداء؛ فهذا مِمَّا لا أعْلَمُ له وَجْهًا ولا أصلا في اللُغَة!

فالصَّوابُ: حَذفُ "ياء" النِّداء؛ لِتصير الجُملَةُ هكذا: "سُبحان الله"؛ وهو ذِكرٌ حَسَنٌ مُستَحَبٌ؛ يجوزُ التَّلَفُظُ به بِقَصدِ التَّعَجُّب؛ فقد ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) قال لأسماء –رَضيَ اللهُ عَنها-: "سُبحان اللهِ! تَطَهَّري بِهَا" –يَعني الفُرصَة مِن المِسك-[حَسَن: رواه أبو داود، وهو في «صَحيح أبي داود» / للعلامة (الألباني) –رَحِمَه الله-: (308)]، واللهُ أعْلَم.

(1) قَولُك: "ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ اتَّهَمُوا غَيرَهُم بالابتداعِ في الدِّين حَتَّى لَو كانَ أحدٌ يَدعُو بِدعُاءٍ مِن نَفسِه يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه -لقَالَ لَه هؤلاء: يا هَذا إنَّ دُعاءَك هذا بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليسَ دُعاءً مؤثورًا [كذا؛ والصَّوابُ: مأثورًا] عَن رَسولِ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم) " اهـ.

قُلت: كلامُك فيه عِدَّة مُؤاخَذَات:

أولا: قولُك: " ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ ... "؛ لم تُبَيِّن -أخي الكَريم- مَن تَقصِدُ بكلامِك هذا؟! وأخشَى أن يكونَ بُهتانًا ورَميًا بالباطِل؟! وفي نِهايَة مُشارَكَتِك هذه لَمزٌ آخَر، فاسألِ اللهَ العَفو والمَغفِرَة.

ثانيًا: قولُك: "اتَّهَمُوا غَيرَهُم بالابتداعِ في الدِّين حَتَّى لَو كَانَ أحدٌ يَدعُو بِدُعَاءٍ مِن نَفسِه يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه -لقَالَ لَه هؤلاء: يا هَذا إنَّ دُعاءَك هذا بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليسَ دُعاءً مؤثورًا [كذا؛ والصَّوابُ: مأثورًا] عَن رَسولِ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم) " اهـ.

قُلتُ: هذه الجُملَةُ فيها عِدَّة مؤاخذات:

1 - مِن أينَ لكَ أنَّ هؤلاء القَومِ يُبَدِّعون مَن دَعَا بِدُعَاءٍ لم يُؤثَر عَن رَسولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير