تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول مستعيناً بالله تعالى:

البدعة كما عرّفها الإمام الشاطبي [في الاعتصام: 1/ 37] هي: طريقةٌ في الدين مُخترعةٌ (أي محدثة) تضاهي الشرعيّة (أي العبادة الشرعيّة) يُقصَد بالسلوك عليها ما يُقصَد بالطريقة الشرعيّة، أو المبالغة في التعبّد لله تعالى.

و تنقسم إلى بدعةٍ عقَديّة (في أصول الدين)، و بدعة عمَليّة (في الفروع و العبادات، و تَبَعاً لهذا التقسيم يختلف الحكم عليها و على من وَقَعَ فيها.

و أخطَر البدع ما يكفرُ صاحبها بتلبّسه بها، كبدعة إنكار القَدَر في العصور المتقدّمة، و بدعة تقديم العقل على النقل و تحكيم القوانين في العصر الحاضر، فمن تلبّس بشيء من ذلك و أقيمت عليه الحجّة فلم يرجع حُكِم بكفره و خروجه من الملّة، و من كان هذا حاله فلا يقدّم للإمامة أصلاً، و إن تقدّم فلا تصح الصلاة خَلفَه بحال.

و روي مثل ذلك في حكم الصلاة خلف المتلبّس بشيء من البدع الكبيرة التي تميّزت بها الفرق الضالة فالأصح عدم الصلاة خلف صاحبها و إن لم يُكفّر بها، و من ذلك ما رواه السيوطي [في ص: 22 من كتاب الأمر بالاتباع] عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، عن أبيه، أنّه سُئل عن الصلاة خلف القائل بخَلقِِِ القرآن، فقال: (لا يُصلى خَلفَه الجمعة و لا غيرها، إلا أنّه – أي المصلي – لا يَدَع إتيانها، فإن صلّى أعاد الصلاة).

قلتُ: و الواجب على المنصف أن يتريّث في تنزيل حُكم الكفر على من تلبّس ببدعة في أصول الدين أو فروعه، لأنّ التكفير مزلق خطير إلى الهلاك.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله [في مجموع الفتاوى: 12/ 180]:

(الصواب أنّه من اجتهد من أمّة محمد صلى الله عليه و سلّم و قَصَدَ الحقَّ فأخطأ لم يكفُر، بل يُغفَر له خطأه.

و من تبيّن له ما جاء به الرسول فشاقّ الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى و اتّبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر.

و من اتّبع هواه و قصّر في طلَب الحقّ، و تكلّم بلا عِلمٍ؛ فهو عاصٍ مذنب، ثمّ قد يكون فاسقاً و قد تكون له حسناتٌ ترجح على سيئاته.

فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلّ مخطئ، و لا مبتدع، و لا جاهل، و لا ضال؛ يكون كافراً، بل و لا فاسقاً، بل و لا عاصياً).

فإذا تقرّر هذا فاعلم أخي السائل أن كلّ ما جاء من نهي السلف الصالح عن الصلاة خلف المبتدع محمول على صاحب البدعة المكفرة، و أئمّة الضلال و دعاته و أنصاره كالجهميّة و القدريّة و الروافض، أمّا عامّة المسلمين فيصلى خلفهم، حتى و إن صدرت عنهم بدعة، خاصةً و أنّهم قد يكونون معذورين بجهلٍ أو تأوّل.

و قد أحسَن التفصيل في هذه المسألة شيخ الإسلام فقال [في مجموع الفتاوى: 23/ 355]:

وأما الصلاة خلف المبتدع فهذه المسألة فيها نزاع وتفصيل فاذا لم تجد اماما غيره كالجمعة التى لا تقام الا بمكان و احد و كالعيدين و كصلوات الحج خلف امام الموسم فهذه تفعل خلف كل بر و فاجر باتفاق أهل السنة و الجماعة و انما تدع مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهل البدع كالرافضة و نحوهم ممن لا يرى الجمعة و الجماعة إذا لم يكن فى القرية إلا مسجد واحد فصلاته فى الجماعة خلف الفاجر خير من صلاته فى بيته منفرداً لئلا يفضى إلى ترك الجماعة مطلقا و أما إذا أمكنه أن لا يصلى خلف المبتدع فهو أحسن و أفضل بلا ريب لكن إن صلى خلفه ففى صلاته نزاع بين العلماء و مذهب الشافعى و أبى حنيفة تصح صلاته و أما مالك و أحمد ففى مذهبهما نزاع و تفصيل و هذا إنما هو فى البدعة التى يعلم أنها تخالف الكتاب و السنة مثل بدع الرافضة و الجهمية و نحوهم فاما مسائل الدين التى يتنازع فيها كثير من الناس فى هذه البلاد مثل مسألة الحرف و الصوت و نحوها فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا و كلاهما جاهل متأول فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس فأما إذا ظهرت السنة و علمت فخالفها واحد فهذا هو الذى فيه النزاع.اهـ.

وفقني الله و إياك لما فيه الخير، و الحمد لله ربّ العالمين

و الله أعلم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم

كتبه

د. أحمد عبد الكريم نجيب

Dr.Ahmad Najeeb

[email protected]

)

===============

قال الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق

(- ثالثاً: حُكم الصلاة خلف أهل البدع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير