وقال ابن قدامة في المغني (4/ 256) وجملة ذلك أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي، وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي، وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها. ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس. وقال: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد، وقال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل، ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة، وللبيع بنسيئة جميعاً، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقاً، ولا يكره إلا أن يكون له تجارة غيره 0
وقال في الإنصاف (4/ 335) ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقداً، إلا أن تكون قد تغيرت صفتها 0
قال: هذه مسألة العينة، فعلها محرم. على الصحيح من المذهب. نص عليه. وعليه الأصحاب، وعند أبي الخطاب يحرم استحساناً، ويجوز قياساً. وكذا قال في الترغيب: لم يجز استحساناً. وفي كلام القاضي وأصحابه: القياس صحة البيع 0
قال في الفروع: ومرادهم أن القياس خولف لدليل راجح، فلا خلاف إذاً في المسألة. وحكى الزركشي بالصحة قولاً، وذكر الشيخ تقي الدين أيضاً: أنه يصح البيع الأول، إذا كان بياناً، بلا مواطأة، وإلا بطلا، وأنه قول أحمد 0
وجاء في السؤال: ما صورة التورق 0
والتورق هو: شراء سلعة بثمن مؤجل بقصد بيعها على غير البائع 0
وحكم ذلك: الجواز في أصح قولي العلماء، وهو قول إياس بن معاوية، والإمام أحمد في إحدى الروايتين، وهي المشهورة عند الحنابلة 0
قال في كشاف القناع (3/ 186) ولو احتاج إنسان إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين، فلا بأس بذلك. نص عليه، وهي مسألة التورق) 0
ودليل الجواز:
(1) أن الأصل في العقود والمعاملات الحل حتى يقوم الدليل على تحريمها 0
(2) وبدليل العموم المستفاد من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) 0
فمن اشترى سلعة قرضاً، سواء قصد ذاتها أو ثمنها فالآية مفيدة بجواز هذا البيع ويتأكد هذا بالأصل في حكم العقود والمعاملات، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل 0
ولا أعلم دليلاً شرعياً يمنع هذه المعاملة، وأما تعليل من منعها بكون المقصود منها الدراهم، أو التحايل على الربا، فليس فيه تحيل على الربا بوجه من الوجوه، مع مسيس الحاجة إليها، لأنه ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا، وما دعت إليه الحاجة، وليس فيه محذور شرعي، لم يجز تحريمه على العباد 0
· وذهب عمر بن عبد العزيز، وطائفة من أهل المدينة، والإمام أحمد في رواية إلى التحريم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم0
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الفتاوى (29/ 303) إن كان المشتري محتاجاً إلى الدراهم، فاشتراها ليبيعها، ويأخذ ثمنها، فهذا يسمى التورق وإن كان المشتري غرضه أخذ الورق، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء، كما قال عمر بن عبد العزيز: التورق أخية الربا. وقال ابن عباس: إذا قومت بنقد، ثم بعت بنسيئة: فتلك دراهم بدراهم، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد 0
ومعنى قول عمر بن عبد العزيز أخية الربا، يعني: أصل الربا قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كما في الفتاوى (29/ 431)
¥