وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أيضاً، في بيان الدليل في إبطال التحليل (119) ولهذا كره العلماء أن يكون أكثر بيع الرجل أو عامته بنسيئة لئلا يدخل في اسم العينة، وبيع المضطر، فإن أعاد السلعة إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه، وأما إن باعها لغيره بيعاً بتاتاً، ولم تعد إلى الأول بحال فقد اختلف السلف في كراهيته ويسمونه التورق لأن مقصوده الورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه، وقال التورق أخية الربا وإياس بن معاوية يرخص فيه، وعن الإمام أحمد فيه روايتان منصوصتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر 0
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين (3/ 370) وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة وإن باعها لغيره فهو التورق وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وأخفها التورق، وقد كرهه عمر ابن عبد العزيز وقال هو أخية الربا، وعن أحمد فيه روايتان وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر، وهذا من فقهه رضي الله عنه قال فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر، وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مراراً وأنا حاضر فلم يرخص فيها وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه 0
وقال أيضاً في تهذيب السنن (9/ 249 - 250 المطبوع ضمن عون المعبود) فإن قيل فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة؟
قيل هذه مسألة (التورق) لأن المقصود منها الورق، وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة، وأطلق عليها اسمها 0
وقد اختلف السلف في كراهيتها، فكان عمر بن عبدالعزيز يكرهها، وكان يقول (التورق أخية الربا) ورخص فيها إياس بن معاوية 0
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر وقد روى أبو داود عن علي أن النبي نهى عن المضطر، وفي المسند عن علي قال سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر ... ) وذكر الحديث 0
فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي (التورق) ومقصوده في الموضعين: الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة 0
وقال ابن مفلح في الفروع (4/ 126) ولو احتاج إلى نقد فاشترى ما ساوى مائة بمائتين فلا بأس، نص عليه، هي التورق، وعنه: يكره. وحرمه شيخنا، نقل أبو داود إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتريه منك هو أهون؛ فإن كان يريد بيعه فهو العينة وإن باعه منه لم يجز، وهي العينة نص عليه 0
وفيه أدلة أخرى للذين يجيزون التورق، والذين يحرمون ذلك0
والصواب من قولي العلماء جواز التورق، وهذا مذهب الجمهور، فإن الأصل في البيوع والمعاملات الحل، ولم يأت دليل يقضي بأن التورق ربا، أو فيه شبهة ربا، فقد بيعت السلعة على غير المشترى منه، فانتفت شبهة الربا الموجودة في بيع العينة، والعجيب في المسألة أن بعض الفقهاء يجيز العينة إذا لم يكن فيه تواطأ بين البائع والمشتري ويمنع التورق، وهذا تناقض، وتفريق بين المتماثلين، والله أعلم 0
هذا ونحث المسلمين، ممن آتاهم الله بسطة في المال، وثروة في الاقتصاد، مواساة ومساعدة إخوانهم المعسرين، والقيام معهم في معيشتهم، والنظر في شؤنهم، فالمسلمون بعضهم لبعض كالعضو الواحد، وقد جاء الإسلام بالتكافل الاجتماعي، وجاء الركن الثالث من أركان الإسلام، الزكاة، ومما رغب فيه الصدقة، ومما حث عليه إنظار المعسر والتعاون مع المعوزين، والتوسيع على المعسرين مما يعزز عمق الأخوة الصادقة، وينشر المودة الخالصة، ويبث روح الرحمة بين أفراد المجتمع، يحسن فيها القوي على الضعيف والغني على الفقير 0
¥